ثم أمر نبيه أن يذكر هؤلاء المتكبرين عن ، قصة إبليس، وما أورثه الكبر، فقال: مجالسة الفقراء وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا إلى قوله: كان من الجن قال في رواية ابن عباس : إن ملائكة السماء الدنيا يقال لهم الجن. عطاء
مثل قوله: وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا يعني حين قالوا: الملائكة بنات الله تعالى.
وقال : قال شهر بن حوشب : ابن عباس . كان إبليس من الملائكة من قبيل يقال لهم الجن
وقوله: ففسق عن أمر ربه خرج من طاعة ربه إلى معصيته في ترك السجود، قال : والعرب تقول: الفراء
[ ص: 153 ] فسقت الرطبة من قشرها لخروجها منه.
أفتتخذونه وذريته قال ، قتادة : يعني أولاده، يتوالدون كما يتوالد بنو آدم. والحسن
وكان يذكر من ذريته: زلنبور صاحب راية إبليس بكل سوق، وثبر صاحب المصائب، والأعور صاحب أبواب الزنا، ومسوط صاحب الأخبار، يأتي بها فيطرحها على أفواه الناس لا يوجد لها أصل، وداسم الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسم ولم يذكر الله تعالى، يضره من المتاع ما لم يرفع ولم يوضع في موضعه، وإذا أكل ولم يذكر اسم الله تعالى، أكل معه، فهؤلاء ذريته. مجاهد
وروى ليث ، عن ، قال: ذريته الشياطين. مجاهد
وقوله أولياء من دوني قال : ليس يصلون له، ولا يصومون، ولكن من أطاع شيئا فقد عبده. الكلبي
بئس للظالمين بدلا قال : بئس ما استبدلوا نعمة ربهم، إذا أطاعوا إبليس، فبئس ذلك بدلا لهم. الحسن
قوله: ما أشهدتهم أي: ما أحضرتهم، يعني إبليس وذريته، خلق السماوات والأرض يعني أنه لم يشاورهم في خلقهم، بل خلقهما وخلقهم على ما أراد وقدر من غير مشاورة لهم، وهذا إخبار عن كمال قدرته، واستغنائه عن الأنصار والأعوان، يدل على هذا قوله: وما كنت متخذ المضلين عضدا أي: الشياطين الذين يضلون الناس عضدا، قال : أعوانا يعضدونني عليه. قتادة
والعضد كثيرا ما يستعمل في معنى العون، وذلك أن العضد قوام اليد، ومنه قوله: سنشد عضدك بأخيك أي سنعينك ونقويك به، ووحد العضد، لوفاق الفواصل.
قوله: ويوم يقول قال : يريد يوم القيامة، يقول الله تعالى يوم القيامة: ادعوا الذين أشركتم بي ليمنعوكم من عذابي. ابن عباس
وهو قوله: نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم فلم يجيبوهم، لأنهم كانوا جمادا، وجعلنا بينهم بين المؤمنين والكافرين، موبقا ذكر في التفسير أنه اسم واد عميق، فرق الله به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة، وهو قول ، مجاهد ، وقتادة ونوف البكالي .
قال ابن الأعرابي : وكل حاجز بين الشيئين فهو موبق.
قال في رواية ابن عباس : مهلكا. الوالبي
قال : يقول: جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا، أي مهلكا لهم في الآخرة. الفراء
والبين على هذا القول معناه التواصل، كقوله: لقد تقطع بينكم في قراءة من قرأ [ ص: 154 ] بالرفع - والمعنى: أن تواصلهم وتعاونهم ومخالتهم في الكفر واجتماعهم على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم يسبب هلاكهم في الآخرة، يقال: وبق وبقا يوبق فهو وبق، ذكره في المصادر، قال: وحكى الفراء وبق يبق وبوقا فهو وابق، قال ولم أسمعها. الكسائي
قوله: ورأى المجرمون النار قال : يريد المشركين، رأوها وهي تتلظى حنقا عليهم. ابن عباس
فظنوا علموا وأيقنوا، أنهم مواقعوها واردوها وداخلوها، ومعنى الواقعة الملابسة للشيء بشدة، ولم يجدوا عنها مصرفا لأنها أحاطت بهم من كل جانب فلم يقدروا على العرب، ولا على الرجوع عنها، المصرف الموضع الذي يصرف إليه.