الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم أمر نبيه أن يذكر هؤلاء المتكبرين عن مجالسة الفقراء  ، قصة إبليس، وما أورثه الكبر، فقال: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا  ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا  ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا  ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا  

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قلنا للملائكة اسجدوا إلى قوله: كان من الجن قال ابن عباس في رواية عطاء : إن ملائكة السماء الدنيا يقال لهم الجن.

                                                                                                                                                                                                                                      مثل قوله: وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا يعني حين قالوا: الملائكة بنات الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال شهر بن حوشب : قال ابن عباس : كان إبليس من الملائكة من قبيل يقال لهم الجن   .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ففسق عن أمر ربه خرج من طاعة ربه إلى معصيته في ترك السجود، قال الفراء : والعرب تقول:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 153 ] فسقت الرطبة من قشرها لخروجها منه.

                                                                                                                                                                                                                                      أفتتخذونه وذريته قال قتادة ، والحسن : يعني أولاده، يتوالدون كما يتوالد بنو آدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان مجاهد يذكر من ذريته: زلنبور صاحب راية إبليس بكل سوق، وثبر صاحب المصائب، والأعور صاحب أبواب الزنا، ومسوط صاحب الأخبار، يأتي بها فيطرحها على أفواه الناس لا يوجد لها أصل، وداسم الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسم ولم يذكر الله تعالى، يضره من المتاع ما لم يرفع ولم يوضع في موضعه، وإذا أكل ولم يذكر اسم الله تعالى، أكل معه، فهؤلاء ذريته.

                                                                                                                                                                                                                                      وروى ليث ، عن مجاهد ، قال: ذريته الشياطين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله أولياء من دوني قال الكلبي : ليس يصلون له، ولا يصومون، ولكن من أطاع شيئا فقد عبده.

                                                                                                                                                                                                                                      بئس للظالمين بدلا قال الحسن : بئس ما استبدلوا نعمة ربهم، إذا أطاعوا إبليس، فبئس ذلك بدلا لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ما أشهدتهم أي: ما أحضرتهم، يعني إبليس وذريته، خلق السماوات والأرض يعني أنه لم يشاورهم في خلقهم، بل خلقهما وخلقهم على ما أراد وقدر من غير مشاورة لهم، وهذا إخبار عن كمال قدرته، واستغنائه عن الأنصار والأعوان، يدل على هذا قوله: وما كنت متخذ المضلين عضدا أي: الشياطين الذين يضلون الناس عضدا، قال قتادة : أعوانا يعضدونني عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      والعضد كثيرا ما يستعمل في معنى العون، وذلك أن العضد قوام اليد، ومنه قوله: سنشد عضدك بأخيك أي سنعينك ونقويك به، ووحد العضد، لوفاق الفواصل.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ويوم يقول قال ابن عباس : يريد يوم القيامة، يقول الله تعالى يوم القيامة: ادعوا الذين أشركتم بي ليمنعوكم من عذابي.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو قوله: نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم فلم يجيبوهم، لأنهم كانوا جمادا، وجعلنا بينهم بين المؤمنين والكافرين، موبقا ذكر في التفسير أنه اسم واد عميق، فرق الله به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة، وهو قول مجاهد ، وقتادة ، ونوف البكالي .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الأعرابي : وكل حاجز بين الشيئين فهو موبق.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس في رواية الوالبي : مهلكا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : يقول: جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا، أي مهلكا لهم في الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      والبين على هذا القول معناه التواصل، كقوله: لقد تقطع بينكم في قراءة من قرأ [ ص: 154 ] بالرفع - والمعنى: أن تواصلهم وتعاونهم ومخالتهم في الكفر واجتماعهم على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم يسبب هلاكهم في الآخرة، يقال: وبق وبقا يوبق فهو وبق، ذكره الفراء في المصادر، قال: وحكى الكسائي وبق يبق وبوقا فهو وابق، قال ولم أسمعها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ورأى المجرمون النار قال ابن عباس : يريد المشركين، رأوها وهي تتلظى حنقا عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فظنوا علموا وأيقنوا، أنهم مواقعوها واردوها وداخلوها، ومعنى الواقعة الملابسة للشيء بشدة، ولم يجدوا عنها مصرفا لأنها أحاطت بهم من كل جانب فلم يقدروا على العرب، ولا على الرجوع عنها، المصرف الموضع الذي يصرف إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية