الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا  يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا  فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا  قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا  وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا  وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا  والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فأتت به يعني بعيسى ، قومها تحمله قال الكلبي : إنها ولدت حيث لم يشعر بها قومها  ، ومكثت أربعين يوما حتى طهرت من نفاسها، ثم حملت عيسى إلى قومها، فلما دخلت عليهم بكوا وخافوا، وكانوا أهل بيت صالحين، فقالوا: يا مريم لقد جئت شيئا فريا عظيما منكرا، لا يعرف منك ولا من أهل بيتك، والفري الأمر العظيم.

                                                                                                                                                                                                                                      يا أخت هارون قال ابن عباس ، وقتادة : هارون رجل صالح من بني إسرائيل، ينسب إليه من عرف بالصلاح، والمعنى: يا شبيهته في العفة، وعلى هذا يدل حديث المغيرة بن شعبة ، وهو ما:

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن محمويه ، أخبرنا والدي، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، نا أبو سعيد الأشج ، نا عبد الله بن إدريس ، أنا أبي، عن سماك بن حرب ، عن علقمة بن وائل ، عن المغيرة بن شعبة ، قال: بعثني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى أهل نجران ، فقالوا: ألستم تقرءون: يا أخت هارون وقد علمتم ما كان بين موسى وعيسى ، فلم أدر ما أجيبهم، فرجعت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم، رواه مسلم ، عن الأشج ، وقال الكلبي : كان هارون أخا مريم من أبيها، ليس من أمها، وكان أمثل رجل في بني إسرائيل، وقال السدي : عنوا هارون أخا موسى ، ونسبت مريم إلى أنها أخته; لأنها من ولده كما يقال للتميمي: يا أخا تميم وقوله: ما كان أبوك امرأ سوء قال ابن عباس : يريد زانيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وما كانت أمك بغيا زانية، أي: لم يكونا زانيين، فمن أين لك هذا الولد.

                                                                                                                                                                                                                                      فأشارت إليه أي: إلى عيسى وهو يرضع بأن كلموه، فتعجبوا من ذلك، قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا في الحجر رضيعا، قال أبو عبيدة : كان هاهنا حشو زائد.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: كيف نكلم صبيا في المهد.

                                                                                                                                                                                                                                      وبهذا قال كثير من أهل التفسير، وقال الزجاج : الأجوز أن [ ص: 183 ] يكون من في معنى الشرط والجزاء.

                                                                                                                                                                                                                                      المعنى: من يكن في المهد صبيا، فكيف نكلمه.

                                                                                                                                                                                                                                      واختاره ابن الأنباري ، وقال: هذا كما تقول: كيف أعظ من كان لا يقبل موعظتي؟ معناه: من يكن لا يقبل، والماضي يكون بمعنى المستقبل في باب الجزاء.

                                                                                                                                                                                                                                      قال السدي : فلما سمع عيسى كلامهم، لم يزد على أن ترك الرضاع، وأقبل عليهم بوجهه، و قال إني عبد الله قال ابن عباس : أقر بالعبودية على نفسه، وبربوبية الله أول ما تكلم.

                                                                                                                                                                                                                                      آتاني الكتاب وجعلني نبيا أي: حكم لي بإيتاء الكتاب، والنبوة فيما قضى، وهذا إخبار عما سبق له مما هو كائن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وجعلني مباركا أين ما كنت روى أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وجعلني مباركا أين ما كنت قال: "نفاعا حيث ما توجهت" .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد : معلما للخير.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عطاء : لأني أدعو إلى الله، وإلى توحيده وعبادته.

                                                                                                                                                                                                                                      وأوصاني بالصلاة أمرني بإقامتها، والزكاة يعني: زكاة الأموال.

                                                                                                                                                                                                                                      وبرا بوالدتي قال ابن عباس : لما قال: بوالدتي، ولم يقل: بوالدي، علموا أنه نبي من الله.

                                                                                                                                                                                                                                      ولم يجعلني جبارا متعظما يقتل ويضرب على الغضب، شقيا عاصيا لربه.

                                                                                                                                                                                                                                      والسلام علي قال المفسرون: السلامة علي من الله، يوم ولدت حتى لم يضرني شيطان، والآية مفسرة في هذه السورة، قالوا لما كلمهم عيسى بهذا، علموا براءة مريم ، ثم سكت عيسى فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية