ثم ذكر أن هؤلاء اغتروا بطول الإمهال إذا لم يعاجلوا بالعقوبة، فقال: [ ص: 239 ] بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين
بل متعنا هؤلاء وآباءهم يعني أهل مكة، متعهم الله بما أنعم عليهم، حتى طال عليهم العمر فاغتروا بذلك، فقال الله: أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها قال ألم ير المشركون الذين يحاربون رسول الله ويقاتلون، إنا ننقصهم له، فنأخذ ما حولهم من قراهم وأراضيهم، أولا يرون أنهم المنقوصون والمغلوبون. الضحاك:
وقال ننقصها من أطرافها: ظهور النبي صلى الله عليه وسلم على من قاتله، أرضا فأرضا، قوما فقوما. الحسن:
أفهم الغالبون أي: ليسوا بغالبين، ولكنهم المغلوبون، ورسول الله هو الغالب، تفسير هذا تقدم في آخر سورة الرعد.
قوله: قل إنما أنذركم بالوحي أي: أخوفكم بالقرآن، والمعنى: إنما أنذركم بالوحي الذي يوحيه الله إلي، لا من قبل نفسي، وذلك أن الله أمره بإنذارهم، كقوله: وأنذر به الذين يخافون ، وقوله: ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون تمثيل للكفار بالصم الذين لا يسمعون النداء إذا أنذروا شيئا، كذلك هؤلاء في تركهم الانتفاع بما سمعوا، كالصم الذين لا يسمعون، وقرأ ابن عامر: ولا تسمع الصم على إسناد الفعل إلى المخاطب، والمعنى أنهم معاندون، فإذا أسمعتهم لم يعملوا بما يسمعوه كما لا يسمع الصم، قال أبو علي الفارسي: ولو كان كما قال ابن عامر، فكان إذا تنذرهم ليحسن نظم الكلام، فأما ما ينذرون فحسن أن تتبع قراءة العامة.
قوله: ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين قال المبرد: النفحة الدفعة من الشيء التي دون معظمه.
يقال: نفحه نفحة بالسيف للضربة الخفيفة.
وهذا موافق لقول في تفسير نفحة، قال: طرف. ابن عباس
وقال ابن كيسان: قليل.
وقال ابن جريج: نصيب من قولهم نفحه من ماله إذا أعطاه.
ومعنى الآية: لئن أصابهم طرف من العذاب لأيقنوا بالهلاك، ودعوا على أنفسهم بالويل، مع الإقرار بأنهم ظلموا أنفسهم بالشرك، وتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة وقال القسط مصدر يوصف به، تقول: ميزان قسط وموازين قسط والمعنى: ذات قسط، وذكرنا الكلام في الموازين عند قوله: الزجاج: فمن ثقلت موازينه .
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحافظ، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا إبراهيم بن محمد بن الحسن، نا نا محمد بن هاشم البعلبكي، الوليد بن مسلم، نا عثمان بن أبي العاتكة، عن [ ص: 240 ] علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، بني هاشم، اشتروا أنفسكم من الله واسعوا في فكاك رقابكم ولا تغرنكم قرابتكم مني، فإني لا أملك لكم من الله شيئا، فبكت وقالت: يا رسول الله، ونكون يوم لا تغني عنا من الله شيئا، فقال: نعم، في ثلاثة مواطن، يقول الله، عز وجل: عائشة، ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه الآية، وعند النور والظلمة، وعلى الصراط من شاء الله سلمه وأجاره، ومن شاء كبكبه في النار". أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " يا
ومعنى قوله: فلا تظلم نفس شيئا لا ينقص من إحسان محسن، ولا يزيد في إساءة مسيء، وإن كان مثقال حبة قال وإن كان العمل مثقال حبة. الزجاج:
وقال أبو علي الفارسي: وإن كان الظلامة مثقال حبة.
وقال: وهذا حسن لتقدم قوله: فلا تظلم نفس شيئا .
وعلى ما قال أبو علي يكون تأويل قوله: فلا تظلم نفس شيئا لأن المظلومين يستوفون حقوقهم من الظالمين حتى لا يبقى لأحد عند أحد ظلامة، ولو مثقال حبة من خردل وقوله: أتينا بها قال الزجاج: جئنا بها.
يعني: أحضرناها للمجازاة بها، وعلى ما قال أبو علي: أتينا بها للمحاسبة عليها، يدل على صحة هذا قوله: وكفى بنا حاسبين قال محصين، والحسب معناه العد. السدي:
وقال عالمين حافظين، وذلك أن من حسب شيئا علمه وحفظه. ابن عباس: