الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين  ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون  ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين  الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون  أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة قال مقاتل: استعينوا على طلب الآخرة بالصبر [ ص: 236 ] على الفرائض،  وبالصلوات الخمس في مواقيتها على تمحيص الذنوب.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الله مع الصابرين قال عطاء، عن ابن عباس: يقول: إني معكم، أنصركم ولا أخذلكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج: تأويله: أن يظهر دينهم على سائر الأديان ؛ لأن من كان الله معه فهو الغالب.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات : كان الناس يقولون لمن يقتل في سبيل الله: مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها.

                                                                                                                                                                                                                                      فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقوله: بل أحياء ذكر المفسرون في حياة الشهداء في سبيل الله  ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح في ثمار الجنة وتشرب من أنهارها، وتأوي بالليل إلى قناديل من نور معلقة بالعرش".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولكن لا تشعرون أي: ما هم فيه من الكرامة والنعيم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولنبلونكم "النون" فيه للتأكيد، و "اللام" جواب قسم محذوف على تقدير: والله لنبلونكم، والمعنى: لنعاملنكم معاملة المبتلى ؛ لأن الله تعالى يعلم عواقب الأمور، فلا يحتاج إلى الابتلاء ليعلم العاقبة، ولكنه يعاملهم معاملة من يبتلى، فمن صبر أثابه على صبره، ومن لم يصبر لم يستحق الثواب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: بشيء من الخوف قال ابن عباس: يعني: خوف العدو.

                                                                                                                                                                                                                                      والجوع يعني: المجاعة والقحط، ونقص من الأموال يعني: الخسران والنقصان في المال وهلاك المواشي، والأنفس يعني: بالموت والقتل والمرض والشيب، والثمرات يعني الجوائح، وأن لا تخرج الثمرة كما كانت تخرج، ثم ختم الآية بتبشير الصابرين ليدل على أن من صبر على هذه المصائب كان على وعد الثواب من الله تعالى فقال: وبشر الصابرين .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم نعتهم فقال: [ ص: 237 ] الذين إذا أصابتهم مصيبة أي: نالتهم نكبة مما ذكر، ولا يقال فيما يصيب بخير: مصيبة.

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا إنا لله أي: نحن وأموالنا لله، يصنع بنا ما يشاء، وإنا إليه راجعون إقرار بالفناء والهلاك.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى الرجوع إلى الله تعالى:  الرجوع إلى انفراده بالحكم، إذ قد ملك في الدنيا الأحكام، فإذا زال حكم العباد رجع الأمر إلى الله.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا محمد بن يعقوب بن يوسف، حدثنا بحر بن نصر، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن أبي شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مصيبة يصاب بها العبد المؤمن إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها"  رواه مسلم، عن أبي الطاهر، عن ابن وهب.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، [ ص: 238 ] حدثنا أبو بردة الكندي، عن علقمة بن مرثد، عن ابن سابط، عن أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب".  

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو الحسن بن أبي القاسم العمراني، أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الفارسي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي، حدثنا محمد بن يزيد بن سنان، حدثنا ياسين بن معاذ، عن محارب بن دثار، عن أبي صالح، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب عبدا مصيبة إلا بإحدى خلتين، إما بذنب لم يكن الله ليغفر إلا بتلك المصيبة، أو بدرجة لم يكن الله ليبلغه إياها إلا بتلك المصيبة"   [ ص: 239 ] وقال سعيد بن جبير : لقد أعطيت هذه الآية عند المصيبة ما لم يعطه الأنبياء قبلهم إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولو أعطيه الأنبياء لأعطيه يعقوب، إذ يقول: يا أسفى على يوسف .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا سعيد بن محمد العدل، أخبرنا أبو علي بن أبي موسى، أخبرنا جعفر بن محمد بن المغلس، حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثني عقبة بن خالد، حدثنا سعد بن سعيد، حدثنا عمر بن كثير بن أفلح، عن سفينة، عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من قال عند مصيبته إنا لله وإنا إليه راجعون  اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها آجره الله وأخلف له خيرا منها " قالت أم سلمة: فلما هلك أبو سلمة قلت: من خير لي من أبي سلمة؟ ثم عزم الله لي فقلتها، فأخلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن سعد بن سعيد [ ص: 240 ] أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا العباس بن بكار، حدثنا أبو بكر الهذلي، عن الشعبي: أن شريحا قال: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات، أحمد إذ لم تكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية