ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير
قوله: ومن الناس من يعبد الله على حرف أكثر المفسرين قالوا: على شك وضلالة.
وأصله من حرف الشيء، وهو طرفه، نحو حرف الجبل والدكان والحائط الذي عليه القائم غير مستقر، فالذي يعبد الله على حرف قلق في دينه على غير ثبات وطمأنينة، كالذي هو على حرف الجبل ونحوه يضطرب اضطرابا ويضعف قيامه، فهو يعرض أن يقع في أحد جانبي الطرف، فقيل للشاك في دينه: إنه يعبد الله على حرف؛ لأنه ليس على يقين في وعده ووعيده، بخلاف المؤمن لأنه لو عبده على يقين وبصيرة، ولم يكن على حرف يسقط عنه بأدنى شيء يصيبه، وهذا المعنى ظاهر في قوله: فإن أصابه خير اطمأن به أي: أصابه رخاء وعافية وخصب، وكثر ماله اطمأن على عبادة الله بذلك الخير، وإن أصابته فتنة اختبار بجدب وقلة ماله، انقلب على وجهه رجع عن دينه إلى الكفر وعبادة الأوثان، والمعنى: انصرف إلى وجهه الذي توجه منه، وهو الكفر، نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا صح جسمه، ونتجت فرسه مهرا حسنا، وكثر ماله، رضي واطمأن، وقال: ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلا خيرا، وإن أصابه وجع المدينة، وولدت امرأته جارية، وأجهضت رماكه، وذهب ماله، أتاه الشيطان، فقال: ما أصبت في هذا الدين إلا شرا فينقلب عن الدين.
وقوله: خسر الدنيا والآخرة يعني: هذا الشاك خسر دنياه، حيث لم يظفر بما طلب من المال، وخسر آخرته بارتداده عن الدين.
ذلك الذي فعل، هو الخسران المبين الضرر الظاهر.
يدعو من دون الله أي: هذا المرتد يعبد سوى الله، ما لا يضره إن لم يعبده، ولا ينفعه إن أطاعه، ذلك الذي فعل هو الضلال البعيد عن الحق والرشد.
يدعو لمن ضره أقرب من نفعه قال ضره في الآخرة بعبادته إياه أقرب من النفع، وإن كان لا نفع عنده، ولكن العرب تقول: لما لا يكون هذا بعيد، ونفع الصنم بعيد لأنه لا يكون، فلما كان نفعه بعيدا، قيل لضره: إنه أقرب من نفعه، على معنى أنه كائن. السدي:
وقوله: لبئس المولى أي الناصر، ولبئس العشير أي:
[ ص: 262 ] الصاحب والمخالط، يعني الصنم، يخالطه العابد ويصاحبه.