وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون
وقوله: وإلهكم إله واحد قال في رواية ابن عباس، قالت كفار الكلبي: قريش: يا محمد صف وانسب لنا ربك، فأنزل الله سورة الإخلاص وهذه الآية. وقال جويبر، عن عن الضحاك، كان للمشركين ثلاث مائة وستون صنما يعبدونها من دون الله، فبين الله سبحانه أنه إله واحد، فأنزل هذه الآية. ابن عباس:
قال الأزهري: له معنيان: أحدهما: أنه واحد لا نظير له، وليس كمثله شيء، والعرب تقول: فلان واحد قومه وواحد الناس، إذا لم يكن له نظير. الواحد في صفة الله تعالى
والمعنى الثاني: أنه إله واحد ورب واحد، ليس له في الإلهة والربوبية شريك ؛ لأن المشركين أشركوا معه آلهة، فكذبهم الله تعالى، فقال: وإلهكم إله واحد .
قال أصحابنا: حقيقة "الواحد" في وصف الباري سبحانه: أنه واحد لا قسيم له في ذاته، ولا بعض له في وجوده، بخلاف الجملة التي يطلق عليها لفظ الواحد مجازا كقولهم: دار واحدة وشخص واحد.
وعبر بعض أصحابنا عن "التوحيد" فقال: هو نفي الشريك والقسيم والشبيه، فالله تعالى واحد في أفعاله، لا شريك له يشاركه في إثبات المصنوعات، وواحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا يشبه الخلق فيها.
[ ص: 246 ] .
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر، حدثنا إبراهيم بن علي، حدثنا أخبرنا يحيى بن يحيى، عن يحيى بن زكريا، عبيد الله بن أبي زياد، حدثنا شهر بن حوشب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في هاتين الآيتين أسماء بنت يزيد اسم الله الأعظم وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم و الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم قوله: عن إن في خلق السماوات والأرض الآية، قال المفسرون: لما نزل قوله تعالى: وإلهكم إله واحد قالت كفار قريش: كيف يسمع الناس إله واحد؟ وتعجبوا وقالوا: إن محمدا يقول: وإلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصادقين.
فأنزل الله هذه الآية، وعلمهم كيفية وردهم إلى التفكر في آياته، والنظر في مصنوعاته. الاستدلال على الصانع وعلى توحيده،
وقوله: واختلاف الليل والنهار يريد: تعاقبهما في الذهاب والمجيء، ومنه يقال: فلان يختلف إلى فلان، إذا كان يذهب إليه ويجيء من عنده.
فذهابه يخلف مجيئه، ومجيئه يخلف ذهابه، أي: يأتي أحدهما خلاف الآخر، أي بعده.
وكل شيء يجيء بعد شيء فهو خلفه، وبهذا فسر قوله تعالى: جعل الليل والنهار خلفة قال يذهب هذا ويجيء هذا. الفراء:
[ ص: 247 ] وقوله: والفلك التي تجري في البحر الفلك: يكون واحدا وجمعا ومذكرا ومؤنثا، قال الله تعالى: في الفلك المشحون ، فإذا أريد به الواحد ذكره، وإذا أريد به الجمع أنث كالتي في هذه الآية.
والآية في الفلك: تسخير الله إياها حتى يجريها على وجه الماء، كما قال: وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ووقوفها فوق الماء مع ثقلها وكثرة وزنها.
قوله: بما ينفع الناس أي: بالذي ينفعهم من ركوبها والحمل فيها للتجارات، فهي تنفع الحامل لأنه يربح، والمحمول إليه لأنه ينتفع بما حمل إليه.
وقوله: وما أنزل الله من السماء من ماء يعني: المطر، قال وهب: ثلاثة ما أظن يعلمهن إلا الله عز وجل: الرعد والبرق والغيم، ما أدري من أين هي وما هي؟ فقيل له: إن الله أنزل من الماء ماء.
قال: نعم، ولا أدري أمطر من السماء على السحاب، أم خلق في السحاب؟ قوله: فأحيا به الأرض بعد موتها أراد بموت الأرض: جدوبتها ويبوستها، فسماها موتا مجازا، وذلك أن الأرض إذا لم يصبها مطر لم تنبت ولم تتم نباتا، فكانت من هذا الوجه كالميت، وإذا أصابها المطر أنبتت.
قوله: وبث فيها من كل دابة "البث": النشر والتفريق، ومنه قوله تعالى: وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، وقوله: كالفراش المبثوث .
قال يريد كل ما دب على الأرض من جميع الخلق، من الناس وغيرهم. ابن عباس:
قوله: وتصريف الرياح : تقليبها قبولا ودبورا، وشمالا وجنوبا، وتصريفها مرة بالرحمة ومرة بالعذاب، ومرة حارة ومرة باردة، ولينة وعاصفة.
قال قادر والله ربنا إن شاء جعلها رحمة لواقح للسحاب ونشرا بين يدي رحمته، وإن شاء جعلها عذابا ريحا عقيما لا تلقح شيئا، إنما هي عذاب على من أرسلت إليه. قتادة:
[ ص: 248 ] وقال يبعث الله المنشرة فتقم الأرض قما، ثم يبعث الله المثيرة فتثير سحابا، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلفه، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر. عبيد بن عمير: