الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين  فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون  وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون  ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون  أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون  هيهات هيهات لما توعدون  إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين  إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين  قال رب انصرني بما كذبون  قال عما قليل ليصبحن نادمين  فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين  ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين  ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون  

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين يعني: عادا قوم هود ، فأرسلنا فيهم رسولا منهم هودا ، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: أيعدكم ، أنكم مخرجون قال الزجاج: أنكم موضعها نصب على معنى أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم، فلما طال الكلام أعيد ذكرانه، كما قال عز وجل: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم المعنى: فله نار جهنم.

                                                                                                                                                                                                                                      هيهات هيهات لما توعدون بعد الأمر جدا حتى امتنع، وهو اسم سمي به الفعل، وهو بعد كما قالوا: صه بمعنى اسكت، ومه بمعنى لا تفعل وليس له اشتقاق، وفيه ضمير يقع عائد إلى قوله: إنكم مخرجون الذي هو بمعنى الإخراج، والتقدير هيهات هو، أي الإخراج، والمعنى: بعد إخراجكم للوعد الذي توعدون وهو بعد الموت، استبعد أعداء الله إخراجهم ونشرهم لما كانت العدة به بعد الموت إغفالا منهم للتفكير في قوله: قل يحييها الذي أنشأها أول مرة قال ابن عباس في هذه الآية: ينفون أن ذلك لا يكون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الكلبي: يقولون: بعيد بعيد ما وعدكم ليوم البعث.

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو عمرو بن العلاء: إذا وقفت فقل هيهاه.

                                                                                                                                                                                                                                      يدل على هذا ما [ ص: 290 ] روي عن سيبويه ، أنه قال: هي بمنزلة علقاه.

                                                                                                                                                                                                                                      يعني في التأنيث، وإذا كان كذلك كان الوقف بالهاء، قال الفراء: كان الكسائي يختار الوقف بالهاء، وأنا أختار التاء وعنده أن هذه التاء ليست بتاء التأنيث.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إن هي إلا حياتنا الدنيا قالوا: ما الحياة إلا ما نحن فيه، لا الحياة الآخرة التي تعدنا بعد البعث، نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين نهلك نحن ويبقى أبناؤنا، ويهلك أبناؤنا ويبقى أبناؤهم.

                                                                                                                                                                                                                                      إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا ما هو إلا مفتر كاذب على الله في ذكر البعث و وما نحن له بمؤمنين بمصدقين فيما يقول.

                                                                                                                                                                                                                                      قال رب انصرني بما كذبون تقدم تفسيره، قال الله: عما قليل من الزمان والوقت، يعني: عند الموت، أو عند نزول العذاب بهم، ليصبحن نادمين على الكفر والتكذيب.

                                                                                                                                                                                                                                      فأخذتهم الصيحة صاح بهم جبريل صيحة واحدة ماتوا عن آخرهم بتصدع قلوبهم، وقوله: بالحق أي: باستحقاقهم العذاب بكفرهم، فجعلناهم غثاء وهو ما جاء به السيل من نبات قد يبس وكل ما تحمله السيل على رأس الماء من قصب وحشيش وعيدان شجر فهو غثاء، والمعنى: صيرناهم هلكى فيبسوا كما يبس الغثاء من نبات الأرض فهمدوا، فبعدا أي: ألزمهم الله بعدا من الرحمة، للقوم الظالمين المكذبين المشركين،

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية