الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب  إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب  وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا لما ذكر الله تعالى الدلالة على وحدانيته  أعلم أن قوما - بعد هذه الدلالة والبيان - يتخذون الأنداد مع علمهم أنهم لا يأتون بشيء مما ذكره.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى تفسير الأنداد: قال أكثر المفسرين: يريد بالأنداد: الأصنام المعبودة من دون الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يحبونهم كحب الله أي: يحبون الأصنام كحب المؤمنين الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى حب المؤمنين الله: حب طاعته والانقياد لأمره ليس معنى يتعلق بذات القديم سبحانه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين آمنوا أشد حبا لله أي: أثبت وأدوم، وذلك أن المشركين كانوا يعبدون صنما، فإذا رأوا شيئا أحسن منه تركوا ذلك وأقبلوا على عبادة الأحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة: إن الكافر يعرض عن معبوده وقت البلاء، والمؤمن لا يعرض عن الله في السراء والضراء والشدة والرخاء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 250 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه، أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب، حدثنا يحيى بن حكيم، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة، وأنا أقول أخرى، قال: من مات وهو يجعل لله تعالى ندا دخل النار   "وأنا أقول: من مات وهو لا يجعل لله ندا دخل الجنة".

                                                                                                                                                                                                                                      رواه البخاري، عن عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش قوله تعالى: ولو يرى الذين ظلموا يعني: الذين أشركوا بالله، إذ يرون العذاب يعني: في الآخرة حين يعاينون جهنم، أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب تقدير الآية: ولو يرون أن القوة لله جميعا، والمعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدة عذاب الله وقوته، وجواب "لو" محذوف، وتقديره: لعلموا مضرة اتخاذ الأنداد.

                                                                                                                                                                                                                                      وكثير في التنزيل حذف جواب لو، كقوله تعالى: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ، ولو ترى إذ وقفوا على النار ، ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ، وقرأ نافع وابن عامر ولو ترى بالتاء على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: لو تراهم إذ يرون العذاب رأوا أن القوة لله، أي أنهم شاهدوا من قدرته ما تيقنوا معه أنه قوي عزيز، وأن الأمر ليس على ما كانوا عليه من جحودهم لذلك أو شكهم فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      والاختيار كسر "إن" مع المخاطبة ؛ لأن الرؤية واقعة على الذين ظلموا، فكان وجه الكلام استئناف "إن"، وجواب "لو" تقديره ها هنا: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لعجبت، أو لرأيت أمرا عظيما، ثم تستأنف إن القوة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عامر (يرون ) بضم الياء، وحجته قوله: كذلك يريهم الله أعمالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 251 ] قوله: إذ تبرأ الذين العامل في إذ معنى شديد من قوله: وأن الله شديد العذاب إذ تبرأ كأنه قيل وقت تبرؤ الذين ابتعدوا، يعني: المتبوعين في الشرك والشر، من الذين اتبعوا يعني: السلفة والأتباع، ورأوا العذاب عاينوا جهنم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وتقطعت بهم الأسباب الباء ها هنا بمعنى "عن"، كقوله تعالى: فاسأل به خبيرا أي: عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      و "الأسباب" معناها في اللغة: الحبال، ثم يقال لكل شيء وصلت به إلى موضع أو حاجة تريدها: سبب.

                                                                                                                                                                                                                                      ويقال للطريق: سبب.

                                                                                                                                                                                                                                      لأنه بسلوكه تصل إلى الموضع الذي تريده، قال الله تعالى: (فأتبع سببا ) أي: طريقا وأسباب السموات: أبوابها ؛ لأن الوصول إليها يكون بدخولها، والمودة بين القوم تسمى: سببا، لأنهم بها يتواصلون، ومنه قول لبيد:


                                                                                                                                                                                                                                      بل ما تذكر من نوار وقد نأت وتقطعت أسبابها ورمامها

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: يعني: أسباب المودة والوصلات التي كانت بينهم في الدنيا تقطعت، وصارت مخالتهم عداوة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الذين اتبعوا وهم الأتباع، لو أن لنا كرة أي: رجع إلى الدنيا، فنتبرأ منهم وهو جواب التمني بالفاء.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الكسائي: تأويله: لو أن لنا أن نكر فنتبرأ منهم في الدنيا لو رجعنا إليها، كما تبرءوا هم، منا اليوم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 252 ] وقوله: كذلك أي: كتبرؤ بعضهم من بعض، يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم في الآخرة، قال الربيع: يريد: أعمالهم القبيحة التي سلفت منهم في الدنيا، حسرات عليهم في الآخرة، لأنهم إذا رأوا حسن مجازاة الله المؤمنين بأعمالهم الحسنة تحسروا على أن لم تكن أعمالهم حسنة فيستحقوا بها من ثواب الله مثل الذي استحقه المؤمنون.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كيسان: يعني بأعمالهم: عبادتهم الأوثان، رجاء أن تقربهم إلى الله تعالى، فلما عذبوا على ما كانوا يرجون ثوابه تحسروا وندموا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: نزلت الآية في الكفار الذين أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من مكة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية