الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون  ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قال الكلبي: يعني الذين حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام، وإذا قيل لهم: اعملوا بما أنزل الله في القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الضحاك، عن ابن عباس: نزلت في كفار قريش.

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا وجدناهم عليه من الدين، فقال الله تعالى: أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون يتبعونهم؟! وهذا جواب "لو"، وهو محذوف، و "الواو" في (أولو ) واو العطف، دخلت عليها ألف الاستفهام التي هي للتوبيخ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عطاء: لا يعقلون عظمة الله ولا يهتدون إلى دينه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا يعقلون شيئا عام ومعناه الخصوص، أي: لا يعقلون شيئا من أمر الدين.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ضرب الله مثلا للكفار، فقال: ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق الآية، النعيق: صوت الراعي بالغنم، يقال: نعق [ ص: 255 ] ينعق نعقا ونعيقا ونعقانا ونعاقا، إذا صاح بالغنم زجرا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الأخطل:


                                                                                                                                                                                                                                      انعق بضأنك يا جرير فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالا

                                                                                                                                                                                                                                      قال الأخفش، والزجاج، وابن قتيبة: تقدير الآية: ومثلك يا محمد ومثل الذين كفروا في وعظهم ودعائهم إلى الله كمثل الراعي الذي يصيح بالغنم ويكلمها يقول: كلي واشربي وارعي.

                                                                                                                                                                                                                                      وهي لا تفهم شيئا مما يقول لها، كذلك هؤلاء الكفار كالبهائم لا يعقلون عنك ولا عن الله شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى هذا حذف أحد المثلين اكتفاء بالثاني.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عباس، في رواية الكلبي: ومثل الكفار في قلة فهمهم وعقلهم كمثل الرعاة يكلمون البهم، والبهم لا تعقل عنهم شيئا،  غير أنها تسمع الصوت ولا تفقه، وعلى هذا شبه الكفار بالرعاة الذين يكلمون ما لا يسمع إلا دعاء ونداء ، وهي البهائم.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا قول مجاهد، قال: هذا مثل ضربه الله للكافر، يسمع ما يقال له ولا يعقل، فمثله كمثل البهيمة، تسمع النعيق ولا تفهم، ولا تعقل.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم وصفهم فقال: صم قال قتادة: صم عن الحق، فلا يسمعونه، بكم عن الحق، فلا ينطقون به، عمي عن الحق فلا يبصرون.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية