قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم قال المفسرون: هذا أمر إباحة، وأراد [ ص: 256 ] "بالطيبات": الحلالات من الحرث والأنعام وما حرمه المشركون منها على أنفسهم.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، حدثنا الحسن بن علي بن يحيى الدارمي، إملاء، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا أخبرنا علي بن الجعد، عن فضيل بن مرزوق، عن عدي بن ثابت، أبي حازم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب، وإن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: أبي هريرة يا أيها الرسل كلوا من الطيبات وقال يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، يمد يده إلى السماء، يقول: يا رب، يا رب.
أشعث أغبر، مطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ ، رواه عن عن مسلم، عن أبي كريب، عن أبي أسامة، فضيل، وهو من الأخبار التي لم يخرجها وقوله: البخاري واشكروا لله أي: إذا كانت العبادة لله واجبة عليكم بأنه إلهكم، فالشكر له واجب بأنه محسن إليكم.
ثم بين أن المحرم ما هو، فقال: إنما حرم عليكم الميتة قال إنما إذا جعلته كلمة واحدة: كان إثباتا لما يذكر بعده، [ ص: 257 ] ونفيا لما سواه، وقوله: إنما حرم معناه: ما حرم عليكم إلا ما ذكر، وذلك لأن كلمة "إن" للتوكيد في الإثبات، و "ما" تكون نفيا، فإذا قال القائل: إني بشر. الزجاج:
فالمعنى: أنا بشر على الحقيقة، وإذا قال: إنما أنا بشر.
كان المعنى: ما أنا إلا بشر، و "الميتة": ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يذبح.
قوله: والدم كانت العرب تجعل الدم في المباعر، وتشويها ثم تأكلها، فحرم الله تعالى الدم.
وقد خصت السنة هذين الجنسين، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان: فالجراد والسمك، وأما الدمان: فالكبد والطحال".
وقد قال الله تعالى: أو دما مسفوحا فقيد، وأطلق في هذه الآية، والمطلق يحمل على المقيد، وقوله: ولحم الخنزير أراد: الخنزير بجميع أجزائه، وخص اللحم لأنه المقصود بالأكل، وما أهل به لغير الله معنى الإهلال في اللغة: رفع الصوت، قال ابن أحمر:
يهل بالفرقد ركبانها كما يهل الراكب المعتمر
ويقال للمحرم: مهل.لرفعه صوته بالتلبية، وللذابح: مهل.
لرفعه الصوت بذكر ما يذبح على اسمه.
ومعنى وما أهل به لغير الله : قال ما ذبح للأصنام وذكر عليه غير اسم الله. ابن عباس:
وهذا قول جميع المفسرين.
[ ص: 258 ] .
أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا إبراهيم بن أحمد بن رجاء، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله بن جبلة الهروي، حدثنا أبو مصعب، حدثنا محرز بن هارون، عن الأعرج، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله سبعة من خلقه، ولعن كل واحد منهم لعنة تكفيه، قال: ملعون ملعون أبي هريرة: لوط، ملعون من عمل عمل قوم ملعون من أتى شيئا من البهائم، ملعون من جمع امرأة وابنتها، ملعون من عق والديه، ملعون من انتمى إلى غير مواليه، ملعون من غير حدود الأرض". ملعون من ذبح لغير الله، عن
وقوله: فمن اضطر أي: أحوج وألجئ، وهو افتعل من الضرورة، قال الأزهري: معناه: من ضيق عليه الأمر بالجوع.
وقرئ برفع النون وكسرها، فمن رفع فلإتباع ضمة الطاء، ومن كسر فعلى أصل حركة التقاء الساكنين.
قوله: غير باغ "البغي": الظلم والخروج عن النصفة، ومنه قوله تعالى: والذين إذا أصابهم البغي ، ولا عاد هو من العدو، وهو التعدي في الأمور، يقال: عدا عدوا وعدوانا، إذا ظلم.
قال غير قاطع لسبيل، أو مفارق للأئمة، أو خارج في معصية الله، فله الرخصة. مجاهد:
وقال : الذي يقطع الطريق [ ص: 259 ] فلا رخصة له في شرب الخمر ولا أكل الميتة. سعيد بن جبير
وقال في رواية ابن عباس، غير باغ على المسلمين، ولا عاد عليهم. عطاء:
وعلى هذا التأويل: لأنه باغ، وهو مذهب كل من عصى بسفره لم تحل له الميتة عند الضرورة رضي الله عنه. الشافعي
وفيه قول آخر: غير باغ بأكله من غير اضطرار، ولا عاد يتعدى الحلال إلى الحرام، فيأكله وهو غني عنه، وهذا قول الحسن، والربيع، وابن زيد، وعلى قول هؤلاء يستبيح العاصي بسفره الرخص، وهو مذهب أهل العراق.
وقوله: إن الله غفور رحيم أي: للمعاصي، وفيه إشارة إلى أنه إذا كان يغفر المعصية فإنه لا يأخذ بما جعل فيه الرخصة، رحيم حيث رخص للمضطر في أكل الميتة.