الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب [ ص: 320 ] دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم
قوله: الله نور السماوات والأرض معنى النور في اللغة الضياء، وهو الذي يبين الأشياء ويري الأبصار حقيقة ما تراه، وورد النور في صفة الله تعالى لأنه هو الذي يهدي المؤمنين ويبين لهم ما يهتدون به من الضلالة، قال أي بنوره يهتدي من في السماوات والأرض. ابن قتيبة:
وهذا معنى قول والمفسرين: هادي أهل السماوات والأرض. ابن عباس،
وقوله: مثل نوره قال عن سعيد بن جبير، مثل نوره الذي أعطى المؤمن. ابن عباس:
وقال مثل نوره في قلب المؤمن. السدي:
وكذا هو في قراءة وكان أبي يقرأ مثل نور المؤمن قال: وهو عبد قد جعل الإيمان والقرآن في صدره. ابن مسعود،
كمشكاة وهي كوة غير نافذة في قول الجميع، فيها مصباح يعني السراج، المصباح في زجاجة يعني القنديل، قال النور في الزجاج وضوء النار أبين منه في كل شيء يزيد في الزجاج. الزجاج:
ثم وصف الزجاجة، فقال: الزجاجة كأنها كوكب دري منسوب إلى أنه كالدر في صفائه وحسنه، وقرأ أبو عمرو مكسورة الدال مهموزة، وهو فعيل من الدرء بمعنى الدفع، والكوكب إذا دفع ورمي من السماء لرجم الشيطان يضاعف ضوءه، قال أبو عمرو لم أسمع أعرابيا يقول إلا: كأنه كوكب دريء بكسر الدال، أخذوه من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت.
وقرأ بضم الدال مهموزا، وأنكره الفراء والزجاج وأبو العباس، قالوا: هو غلط لأنه ليس في الكلام فعيل. حمزة
قال والنحويون أجمعون: لا يعرفون الوجه في هذا لأنه ليس في كلام العرب شيء على هذا الوزن. الزجاج،
قوله: توقد مفتوحة التاء والدال قراءة أبي عمرو وهي البينة؛ لأن المصباح هو الذي توقد، وقرئ (يوقد ) بضم الياء والدال أي المصباح، وقرئ توقد أي الزجاج، والمعنى: على مصباح الزجاجة، ثم حذف المضاف.
وقوله: من شجرة مباركة أي: من زيت شجرة مباركة بحذف المضاف، يدلك على ذلك قوله: يكاد زيتها يضيء وأراد بالشجرة المباركة شجرة الزيتون، وهي كثيرة البركة، وفيها أنواع المنافع لأن الزيت يسرج به، وهو إدام ودهان ودباغ، ويوقد بحطب الزيتون، وتفله ورماده يغسل به الإبريسم، ولا يحتاج في استخراج دهنه إلى عصار.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني، أنا بشر بن أحمد بن محمود، أنا أبو جعفر محمد بن موسى الحلواني، نا زهير بن محمد، أنا أنا عبد [ ص: 321 ] الرزاق، عن معمر، عن أبيه، عن زيد بن أسلم، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: عمر بن الخطاب، "ائتدموا بالزيت، وادهنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة" ثم فسرها؛ فقال زيتونة وخصها من بين سائر الأشجار؛ لأن دهنها أصفى وأضوأ وقوله: لا شرقية ولا غربية أي: لا يفيء عليها ظل شرق ولا غرب، هي ضاحية للشمس لا يظلها جبل ولا شجر ولا كهف، وزيتها يكون أصفى، وهذا قول ابن عباس في رواية عكرمة، والكلبي.
ونحوه قال قتادة، والأكثرون. والسدي،
واختيار الفراء قال والزجاج، الشرقية التي تأخذها الشمس إذا أشرقت ولا تصيبها إذا غربت لأن لها سترا، والغربية التي تصيبها الشمس بالعشي ولا تصيبها بالغداة. الفراء:
وقوله: يكاد زيتها زيت الزيتون، يعني: دهنها يكاد يضيء المكان من صفائه من غير أن يصيبه النار بأن يوقد به، وهو قوله: ولو لم تمسسه نار قال المفسرون: هذا مثل للمؤمن، فالمشكاة قلبه، والمصباح هو الإيمان والقرآن، والزجاج صدره.
ومعنى قوله: يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار : يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى، قوله: نور على نور قال النار على الزيت. مجاهد:
وقال المصباح نور والزجاجة نور وهو مثل لإيمان المؤمن وعمله. الكلبي:
وقال نور الإيمان ونور القرآن. السدي:
وقوله: يهدي الله لنوره من يشاء قال لدينه الإسلام، وإن شئت قلت للقرآن. ابن عباس:
ويضرب الله الأمثال يبين الله الأشياء للناس تقريبا إلى الأفهام وتسهيلا لسبل الإدراك، والله بكل شيء عليم عالم.