الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة ص

مكية ، عددها ثمان وثمانون آية ، كوفي

بسم الله الرحمن الرحيم

ص والقرآن ذي الذكر  بل الذين كفروا في عزة وشقاق  كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص  وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب  أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب  وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد  ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب  أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب  أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب

ص والقرآن ذي الذكر يعني ذا البيان بل الذين كفروا بالتوحيد من أهل مكة في عزة يعني في حمية ، كقوله في البقرة : أخذته العزة بالإثم الحمية وشقاق اختلاف.

ثم خوفهم ، فقال جل وعز : كم أهلكنا من قبلهم من قبل كفار مكة من قرن من أمة بالعذاب في الدنيا ، الأمم الخالية فنادوا عند نزول العذاب في الدنيا ولات حين مناص يعني ليس هذا بحين قرار ، فخوفهم لكيلا يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم .

ثم قال جل وعز : وعجبوا أن جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم منذر منهم رسول منهم وقال الكافرون من أهل مكة هذا ساحر يفرق بين الاثنين كذاب يعنون النبي صلى الله عليه وسلم حين يزعم أنه رسول.

أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وذلك حين أسلم عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فشق على قريش إسلام عمر ، وفرح به المؤمنون.

وانطلق الملأ منهم وهم سبعة وعشرون رجلا ، والملأ في كلام العرب الأشراف منهم : الوليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية وأبي ابنا خلف ، وغيرهم ، فقال الوليد بن المغيرة : أن امشوا إلى أبي طالب واصبروا واثبتوا على عبادة [ ص: 113 ] آلهتكم نظيرها في الفرقان : لولا أن صبرنا عليها يعني ثبتنا ، فقال الله عز وجل ، في الجواب : فإن يصبروا فالنار مثوى لهم ، فمشوا إلى أبي طالب ، فقالوا : أنت شيخنا وكبيرنا وسيدنا في أنفسنا ، وقد رأيت ما فعلت السفهاء ، وإنا أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه ، فقال أبو طالب : هؤلاء قومك ، يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "وماذا يسألوني" ؟ قالوا : ارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم : "أعطوني أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب ، وتدين لكم بها العجم" ، فقال أبو جهل : لله أبوك لنعطينكها وعشرا معها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "قولوا لا إله إلا الله" ، فنفروا من ذلك ، فقاموا ، فقالوا : أجعل ، يعني وصف محمد الآلهة إلها واحدا أن تكون الآلهة واحدا إن هذا لشيء الأمر يراد . ما سمعنا بهذا الأمر الذي يقول محمد في الملة الآخرة يعني ملة النصرانية ، وهي آخر الملل؛ لأن النصارى يزعمون أن مع الله عيسى ابن مريم ، ثم قال الوليد : إن هذا القرآن إلا اختلاق من محمد تقوله من تلقاء نفسه.

ثم قال الوليد : أأنزل عليه الذكر يعني النبي صلى الله عليه وسلم من بيننا ونحن أكبر سنا وأعظم شرفا ، يقول الله عز وجل لقول الوليد : إن هذا إلا اختلاق يقول الله تعالى : بل هم في شك من ذكري يعني القرآن بل لما يعني لم يذوقوا عذاب مثل قوله : ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ، يعني لم يدخل الإيمان في قلوبكم.

أم عندهم خزائن رحمة ربك يعني نعمة ربك ، وهي النبوة ، نظيرها في الزخرف : أهم يقسمون رحمت ربك ، يعني النبوة يقول : بأيديهم مفاتيح النبوة والرسالة ، فيضعونها حيث شاءوا ، فإنها ليست بأيديهم ولكنها بيد العزيز في ملكه الوهاب الرسالة والنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم .

ثم قال أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما يعني كفار قريش يقول : ألهم ملكهما وأمرهما ، بل الله يوحي الرسالة إلى من يشاء ، ثم قال : فليرتقوا في الأسباب يعني الأبواب إن كانوا صادقين بأن محمدا صلى الله عليه وسلم تخلقه من تلقاء نفسه ، يقول الوليد : إن هذا إلا اختلاق الأسباب ، يعني الأبواب التي في السماء ، فليستمعوا [ ص: 114 ] إلى الوحي حين يوحي الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية