الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب  إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط  إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب  قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب  فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب  

وهل أتاك نبأ يعني حديث الخصم إذ تسوروا المحراب وذلك أن داود قال : رب اتخذت إبراهيم خليلا ، وكلمت موسى تكليما ، فوددت أنك أعطيتني من الذكر مثل ما أعطيتهما ، فقال له : إني ابتليتهما بما لم أبلك به ، فإن شئت ابتليتك بمثل الذي ابتليتهما ، وأعطيتك مثل ما أعطيتهما من الذكر ، قال : نعم ، قال : اعمل عملك ، فمكث داود ، عليه السلام ، ما شاء الله عز وجل ، يصوم نصف الدهر ، ويقوم نصف الليل ، إذا صلى في المحراب فجاء طير حسن ملون ، فوقع إليه فتناوله ، فصار إلى الكوة ، [ ص: 116 ] فقام ليأخذه ، فوقع الطير في بستان ، فأشرف داود فرأى امرأة تغتسل فتعجب من حسنها ، وأبصرت المرأة ظله فنفضت شعرها فغطت جسمها ، فزاده بها عجبا ، ودخلت المرأة منزلها ، وبعث داود غلاما في أثرها إذا هي بتسامح امرأة أوريا بن حنان ، وزوجها ، في الغزو في بعث البلقاء الذي بالشام ، مع نواب بن صوريا ابن أخت داود ، عليه السلام ، فكتب داود إلى ابن أخته بعزيمة أن يقدم أوريا ، فيقاتل أهل البلقاء ، ولا يرجع حتى يفتحها أو يقتل ، فقدمه فقتل ، رحمة الله عليه ، فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود ، فولدت سليمان بن داود ، فبعث الله عز وجل إلى داود ، عليه السلام ، ملكين ليستنقذه بالتوبة ، فأتوه يوم رأس المائة في المحراب ، وكان يوم عبادته الحرس حوله.

إذ دخلوا على داوود ففزع منهم فلما رآهما داود قد تسوروا المحراب فزع داود ، وقال في نفسه : لقد ضاع ملكي حين يدخل علي بغير إذن ، قالوا فقال أحدهما لداود : لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق يعني بالعدل ولا تشطط يعني ولا تجر في القضاء واهدنا إلى سواء الصراط يقول : أرشدنا إلى قصد الطريق.

ثم قال : إن هذا أخي يعني الملك الذي معه له تسع وتسعون نعجة يعني تسعة وتسعون امرأة وهكذا كان لداود. ثم قال : ولي نعجة واحدة يعني امرأة واحدة فقال أكفلنيها يعني أعطنيها وعزني في الخطاب يعني غلبني في المخاطبة ، إن دعا كان أكثر مني ناصرا ، وإن بطش كان أشد مني بطشا ، وإن تكلم كان أبين مني في المخاطبة.

قال داود : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه يعني بأخذه التي لك من الواحدة ، إلى التسع والتسعين التي له وإن كثيرا من الخلطاء يعني الشركاء ليبغي بعضهم على بعض ليظلم بعضهم بعضا إلا استثناء ، فقال : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يظلمون أحدا وقليل ما هم يقول : هم قليل ، فلما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك ، فلم يفطن لهما ، فأحبا يعرفاه فصعدا تجاه وجهه ، وعلم أن الله تبارك وتعالى ابتلاه بذلك وظن داوود أنما فتناه يقول : وعلم داود أنا ابتليناه فاستغفر ربه وخر راكعا يقول : وقع ساجدا أربعين يوما وليلة وأناب يعني ثم رجع من ذنبه تائبا إلى الله عز وجل ، وخر راكعا مثل قوله : ادخلوا الباب سجدا يعني ركوعا.

[ ص: 117 ] فغفرنا له ذلك يعني ذنبه ، ثم أخبر بما له في الآخرة ، فقال : وإن له عندنا لزلفى يعني لقربة وحسن مآب يعني وحسن مرجع.

التالي السابق


الخدمات العلمية