ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع يعني فجعله عيونا وركايا [ ص: 131 ] في الأرض ثم يخرج به بالماء زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج يعني ييبس فتراه بعد الخضرة مصفرا ثم يجعله حطاما يعني هالكا ، نظيرها : لا يحطمنكم سليمان وجنوده يعني لا يهلكنكم سليمان هذا مثل ضربه الله في الدنيا كمثل النبت ، بينما هو أخضر إذ تغير فيبس ، ثم هلك ، فكذلك تهلك الدنيا بعد بهجتها وزينتها إن في ذلك لذكرى يعني تفكر لأولي الألباب . أفمن شرح الله صدره للإسلام يقول : أفمن وسع الله قلبه للتوحيد فهو على نور يعني على هدى من ربه يعني النبي صلى الله عليه وسلم فويل للقاسية يعني الجافية قلوبهم فلم تلن ، يعني أبا جهل من ذكر الله يعني عن توحيد الله أولئك في ضلال مبين يعني أبا جهل يقول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : ليس المشرح صدره بتوحيد الله كالقاسي قلبه ليسا بسواء.
الله نزل أحسن الحديث يعني القرآن كتابا متشابها يشبه بعضه بعضا مثاني يعني يثني الأمر في القرآن مرتين أو ثلاثا ، أو أكثر من نحو ذكر الأمم الخالية ، ومن نحو ذكر الأنبياء ، ومن نحو ذكر آدم ، عليه السلام ، وإبليس ، ومن نحو ذكر الجنة والنار ، والبعث والحساب ، ومن نحو ذكر النبت والمطر ، ومن نحو ذكر العذاب ، ومن نحو ذكر موسى وفرعون ، ثم قال : تقشعر منه يعني مما في القرآن من الوعيد جلود الذين يخشون عذاب ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله يعني إلى الجنة وما فيها من الثواب ، ثم قال : ذلك الذي ذكر من القرآن هدى الله يهدي به يعني بالقرآن من يشاء لدينه ومن يضلل الله عن دينه فما له من هاد إلى دينه يقول : من أضله الله عن الهدى ، فلا أحد يهديه إليه.
وقوله تعالى : أفمن يتقي بوجهه سوء يعني شدة العذاب يوم القيامة يقول : ليس الضال الذي يتقي النار بوجهه كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه ، ليس بسواء ، يقول : الكافر يتقي بوجهه شدة العذاب ، وهو في النار مغلولة يده إلى عنقه ، وفي عنقه حجر ضخم مثل الجبل العظيم من كبريت تشتعل النار في الحجر ، وهو معلق في عنقه ، وتشتعل على وجهه فحرها ووهجها على وجهه لا يطيق دفعها عن وجهه من أجل الأغلال التي في يده وعنقه وقيل وقالت الخزنة : للظالمين ذوقوا العذاب بـ ما كنتم تكسبون من الكفر والتكذيب.
[ ص: 132 ] كذب الذين من قبلهم يعني قبل كفار مكة كذبوا رسلهم بالعذاب في الآخرة بأنه غير نازل بهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون وغافلون عنه.