الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة الزلزلة

مكية، عددها ثماني آيات كوفي

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا زلزلت الأرض زلزالها  وأخرجت الأرض أثقالها  وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها  يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم  فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره  ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره

قوله: إذا زلزلت الأرض زلزالها يقول: تزلزلت يوم القيامة من شدة صوت إسرافيل ، عليه السلام، يعني تحركت، فتفطرت حتى تكسر كل شيء عليها بزلزالها من شدة الزلزلة، ولا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها من جبل، أو بناء، أو شجرة، فيدخل فيها كل شيء خرج منها، وزلزلت الدنيا، فلا تلبث حتى تسكن وأخرجت الأرض أثقالها يقول: تحركت فاضطربت، وأخرجت ما في جوفها من الناس، والدواب، والجن، وما عليها من الشياطين، فصارت خالية ليس فيها شيء، وتبسط الأرض جديدة بيضاء، كأنها الفضة، أو كأنها خامة، ولها شعاع كشعاع الشمس، لم يعمل عليها ذنب، ولم يهرق فيها الدماء، وذلك أنه إذا جاءت النفخة الأولى، يموت الخلق كلهم، ثم النفخة الثانية.  

فأما الأولى فينادي من تحت العرش من فوق السماء السابعة، وأما الأخرى فمن بيت المقدس، يقعد إسرافيل على صخرة بيت المقدس، فيقول: أيتها العظام البالية، والعروق المتقطعة، واللحوم المتمزقة اخرجوا إلى فصل القضاء، لتجازوا بأعمالكم، قال: فيخرجون من قبورهم إلى الأرض الجديدة، وتسمى الساهرة، فذلك قوله تعالى: فإذا هم بالساهرة ، وأيضا وأخرجت الأرض أثقالها أخرجت ما فيها من الموتى والأموال.

وقال الإنسان ما لها قال الكافر جزعا ما لها تنطق بما عمل عليها يومئذ تحدث أخبارها يقول: تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شر، تقول الأرض وحد الله على ظهري، وصلى علي، وصام، وحج، واعتمر، وجاهد، [ ص: 507 ] وأطاع ربه، فيفرح المؤمن بذلك وتقول للكافر: أشرك على ظهري، وزنى، وسرق، وشرب الخمر، وفعل، وفعل، فتوبخه في وجهه، وتشهد عليه أيضا الجوارح، والحفظة من الملائكة،  مع علم الله عز وجل فيه، وذلك الخزي العظيم، فلما سمع الإنسان المكذب عمله، قال جزعا: ما لها يعني للأرض تحدث بما عمل عليها، فذلك قوله: وقال الإنسان ما لها في التقديم، يقول له يومئذ تحدث أخبارها يقول: تشهد على أهلها بما عملوا عليها من خير أو شر، فلما سمع الكافر يومئذ، قال: ما لها تنطق ؟ قال الملك الذي كان موكلا به في الدنيا يكتب حسناته وسيئاته، قال: هذا الكلام الذي تسمع إنما شهدت على أهلها.

بأن ربك أوحى لها وقال الإنسان ما لها يعني الكافر، يقول: يوحي الله إليها بأن تحدث أخبارها، وأيضا أن ربك أوحى لها بالكلام، فذلك قوله: أوحى لها ، يومئذ يصدر الناس أشتاتا يعني يرجع الناس من بعد العرض والحساب إلى منازلهم من الجنة والنار متفرقين، كقوله: يومئذ يصدعون ، يعني يتفرقون فريق في الجنة، وفريق في السعير.

وذكر فيما تقدم وأخرجت الأرض أثقالها ، ثم ذكر هنا أن الناس أخرجوا ليروا أعمالهم

الخير والشر، يعني لكي يعاينوا أعمالهم، وأيضا يومئذ يصدر الناس أشتاتا ، يقول: انتصف الناس فريقين، والأشتات الذين لا يلتقون أبدا، قال: ليروا أعمالهم ، ثم قال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره يقول: من يعمل في الدنيا مثقال ذرة، يعني وزن نملة أصغر النمل الأحمر التي لا تكاد نراها من صغرها، خيرا في التقديم يره يومئذ يوم القيامة في كتابه أيضا فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره في صحيفته، وذلك أن العرب كانوا لا يتصدقون بالشيء القليل، وكانوا لا يرون بالذنب الصغير بأسا، فزهدهم الله عز وجل في الذنب الحقير، ورغبهم في الصدقة القليلة، فقال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره في كتابه والذرة أصغر النمل وهي النملة الصغيرة، وأيضا فمن يعمل في الدنيا مثقال ذرة قدر نملة شرا يره يوم القيامة في كتابه، نزلت في رجلين بالمدينة، كان أحدهما إذا أتاه السائل يستقل أن يعطيه الكسرة أو التمرة، ويقول: ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه.

وقد قال الله عز وجل: ويطعمون الطعام على حبه ، فيقول: ليس [ ص: 508 ] هذا مما يحب، فيستقل ذلك، ويرى أنه لا يؤجر عليه، فيرد المسكين صفرا، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير الكذبة، والنظرة، والغيبة، وأشباه ذلك، ويقول: ليس على من فعل هذا شيء إنما وعد الله النار أهل الكبائر، فأنزل الله عز وجل يرغبهم في القليل من الخير أن يعطوه لله، فإنه يوشك أن يكثر ويحذرهم اليسير من الشر، فإنه يوشك أن يكثر، فالذنب الصغير في عين صاحبه يوم القيامة أعظم من الجبال الرواسي، ولجميع محاسنه التي عملها في دار الدنيا أصغر في عينه من حسنة واحدة.

حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الهذيل ، عن أبي روق ، في قوله: وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا ، قال: لمن جاء بشرائع الإسلام، فله الجنة وعدلا على أهل التكذيب فلهم النار.

أسماء من دفن بالبصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  ورحمة الله عليهم، عمران بن حصين ، وطلحة ، والزبير ، وزيد بن صوحان ، وأنس بن مالك.

أسماء من حفظ القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم   أبو الدرداء ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد.

قال مقاتل ، رحمه الله: شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم.

أيوب بن تارح بن عيصو.

داود بن أشى بن عويذ بن قارص بن يهوذا بن يعقوب .

إسحاق بن إبراهيم .

هود وهو عابر.

صالح بن أرفخشد بن سام بن نوح.

إبراهيم اسمه إبراهيم، وفي الإنجيل أبو الأمم.

لوط بن حران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم، وسميت حران به.

سارة أخت لوط بنت حران ، أخي إبراهيم، وهي امرأته.

قال مقاتل: الحسن عشرة أجزاء خمسة لحواء، وثلاثة لسارة، وواحد ليوسف، وواحد لسائر الناس.

[ ص: 509 ] حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل ، قال: حدثني المسيب بن شريك ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال: قالت الملائكة: نحن المقربون منا حملة العرش، ومنا الحفظة الكرام الكاتبون  جعلت الدنيا لبني آدم يأكلون، ويشربون، ويفرحون، فاجعل لنا الجنة، فأوحى الله إليهم لا أجعل صالح ذرية من خلقته بيدي، كمن قلت له كن فكان، قال المسيب: ذلك في كتاب الله عز وجل أولئك هم خير البرية ، يعني الخليقة.

حدثنا عبد الله ، قال: حدثني أبي، قال: قال الهذيل: حدثني الحذاء عن شيبان ، عن بشر بن سعاف ، عن عبد الله بن سلام ، قال: إن الله عز وجل لم يخلق خلقا أكرم عليه من آدم، عليه السلام،  قال: فقلت: ولا من جبريل، وميكائيل، عليهما السلام، فقال: نعم، إنما هم قوم محمولون على شيء كالشمس والقمر، وحديث آخر أن المسجود له أكرم على الله عز وجل من الساجد.

[ ص: 510 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية