الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة الإخلاص

مكية، عددها أربع آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

قل هو الله أحد  الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد

قوله: قل هو الله أحد الله الصمد تعني أحد لا شريك له، وذلك أن عامر بن الطفيل بن صعصعة العامري ، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، أما والله لئن دخلت في دينك ليدخلن من خلفي، ولئن امتنعت ليمتنعن من خلفي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فما تريد " ؟ قال: أتبعك على أن تجعل لي الوبر ولك المدر، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا شرط في الإسلام "، قال: فاجعل لي الخلافة بعدك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا نبي بعدي "، قال: فأريد أن تفضلني على أصحابك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا، ولكنك أخوهم، إن أحسنت إسلامك "، فقال: فتجعلني أخا بلال ، وخباب بن الأرت ، و سلمان الفارسي ، وجعال ، قال: " نعم "، فغضب، وقال: أما والله لأثيرن عليك ألف أشقر عليها ألف أمرد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك تخوفني " ؟ قال له جبريل ، عليه السلام، عن ربه: لأثيرن على كل واحد منهم ألفا من الملائكة، طول عنق أحدهم مسيرة سنة، وغلظها مسيرة سنة، وكان يكفيهم واحد، ولكن الله عز وجل أراد أن يعلمه كثرة جنوده، فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعجب مما سمع منه، فلقيه الأربد بن قيس السهمي ، فقال له: ما شأنك ؟ وكان خليله فقص عليه قصته، وقال: إني دخلت على ابن أبي كبشة آنفا، فسألته الوبر، وله المدر فأبى، ثم سألته من بعده فأبى، ثم سألته أن يفضلني على أصحابه، فأبى، وقال: أنت أخوهم إن أحسنت إسلامك، فقال له: أفلا قتلته ؟ قال: لم أطق ذلك، قال: فارجع بنا إليه، فإن شئت حدثته حتى أضرب عنقه، فانطلقا على وجوههما، حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد عامر عن يمينه والأربد عن يساره، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ما يريدان، قال: وجاء ملك من الملائكة فعصر بطن الأربد بن قيس ، وأقبل عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع يده على [ ص: 535 ] فمه، وهو يقول: يا محمد لقد خوفتني بأمر عظيم، وبأقوام كثيرة فمن هؤلاء ؟ قال: " جنودي وهم أكثر مما ذكرت لك "، قال: فأخبرني ما اسم ربك ؟ وما هو ؟ ومن خليله ؟ وما حيلته ؟ وكم هو ؟ وأبو من هو ؟ ومن أي حي هو ؟ ومن أخوه ".

وكانت العرب يتخذون الأخلاء في الجاهلية، فأنزل الله تعالى قل يا محمد هو الله أحد لقوله ما اسمه ؟ وكم هو الله الصمد لقوله ما طعامه ؟ الله الصمد الذي لا يأكل ولا يشرب لم يلد يقول: ولم يتخذ ولدا ولم يولد يقول: ليس له ولد يكتنى به، لقوله: وابن من هو ؟ ثم قال: ولم يكن له كفوا أحد لقوله: من خليله ؟ ويقول: ليس له نظير، ولا شبيه، فمن أين يتخذ الخليل، فأشار بيده وبعينه إلى الأربد بن قيس ، وهو في جهد قد عصر الملك بطنه حتى أراد أن يخرج خلاه من فيه، وقد أهمته نفسه، فقال الأربد: قم بنا، فقاما، فقال له عامر: ويحك ما شأنك ؟ قال: وجدت عصرا شديدا في بطني، ووجعا فما استطعت أن أرفع يدي.

قال: فأما الأربد بن قيس ، فخرج يومئذ من المدينة، وكان يوما متغيما، فأدركته صاعقة في الطريق فقتلته، وأما عامر بن الطفيل ، فوجأه جبريل، عليه السلام، في عنقه، فخرج في عنقه دبيلة، ويقال: طاعون فمرض بالمدينة، فلم يأوه أحد إلا امرأة مجذوبا من بني سلول، فقال جزعا من الموت: غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية، ابرز إلي يا موت، فأنا قاتلك، فأنزل الله عز وجل: وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال .

وأيضا: قل هو الله أحد وذلك أن مشركي مكة ، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انعت لنا ربك وصفه لنا، وقال عامر بن الطفيل العامري: أخبرنا عن ربك أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، أو من صفر ؟ وقالت اليهود: عزيزا ابن الله، وقد أنزل الله عز وجل نعته في التوراة، فأخبرنا عنه يا محمد، فأنزل الله عز وجل في قولهم: قل يا محمد هو الله أحد لا شريك له الله الصمد يعني الذي لا جوف له، كجوف المخلوقين، ويقال: الصمد السيد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجهم وبالإقرار والخضوع، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، وذلك أن مشركي العرب، قالوا: الملائكة بنات الرحمن، وقالت اليهود: عزيز ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فأكذبهم الله عز وجل، فبرأ نفسه من قولهم، فقال: لم يلد يعني [ ص: 536 ] لم يكن له ولد ولم يولد كما ولد عيسى وعزيز ومريم، ولم يكن له كفوا أحد يقول: لم يكن له عدل، ولا مثل من الآلهة تبارك وتعالى علوا كبيرا.

[ ص: 537 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية