ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين
ولقد أخذنا آل فرعون ، يعني أهل مصر، بالسنين ، يعني قحط المطر، ونقص من الثمرات ، فأصابهم الجوع، لعلهم يذكرون ، يعني لعلهم يتذكرون.
[ ص: 410 ] فإذا جاءتهم الحسنة ، يعني الخير والخصب، قالوا لنا هذه ، يعنون نحن أحق بهذا، وإن تصبهم سيئة ، يعني الجوع، والبلاء، وقحط المطر، وهلاك الثمار والمواشي، يطيروا بموسى ومن معه على دينه، تسألوا أصابنا هذا الشر من سحر موسى، يقول الله: ألا إنما طائرهم عند الله ، يقول: إن الذي أصابهم هو من الله، ولكن أكثرهم ، يعني أهل مصر، لا يعلمون أنه من الله الذي أصابهم.
وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها ، يعني الآيات التسع، فما نحن لك بمؤمنين ، يعني بمصدقين، يعني بأنك رسول رب العالمين.
فأرسلنا ، فلما قالوا ذلك أرسل الله عليهم السنين، ونقصا من الثمرات، والنبات، و الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات ، يعني بينات بعضها من بعض بين كل آيتين ثلاثين يوما، فاستكبروا ، يعني فتكبروا عن الإيمان، وكانوا قوما مجرمين .
فأما الطوفان، فهو الماء طغى فوق حروثهم وزروعهم مطردا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يرون فيها شمسا ولا قمرا، ولا يخرج منهم أحد إلى صنعته، فخافوا الغرق، فصرخوا إلى فرعون، فأرسل إلى موسى، فقال: يا أيها الساحر، ادع لنا ربك أن يكشف عنا هذا المطر، فإن يكشفه لنؤمنن لك، ولنرسلن معك بني إسرائيل، فقال: لا أفعل ما زعمتم أني ساحر، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك، فدعا ربه، فكشف عنهم المطر، فنبت من الزرع والعشب ما لم ير مثله قط، فقالوا: لقد جزعنا من أمر كان خيرا لنا، فنكثوا العهد، فأرسل الله عليهم الجراد ثمانية أيام، وملئت الأرض حتى كانوا لا يرون الأرض من كثرته، قدر ذراع، فأكل النبات، حتى خافوا ألا يبقى لهم شيء.
فقال فرعون: يا موسى، ادع لنا ربك أن يكشف عنا فنؤمن لك، فدعا موسى ربه، فبعث الله ريحا، فاحتملت الجراد فألقته في البحر، قالوا: قد بقي لنا ما نتبلغ به حتى يدركنا الغيث، فنكثوا، فأرسل الله عليهم القمل، وهو الدبى، فغشي كل شيء منهم، فلم يبق عودا أخضر من الزرع والنبات إلا أكله، قال فرعون لموسى: ادع لنا ربك أن يكشفه عنا ونؤمن لك، فدعا ربه، فأمات القمل، وبقي لهم ما يتبلغون، فنكثوا، قالوا: [ ص: 411 ] يا موسى، هل يستطيع ربك أن يفعل بنا أشد من هذا؟ فأرسل الله عليهم الضفادع، فدبت في بيوتهم، وعلى ظهورهم، فكان يستيقظ الرجل من نومه وعليه منهم كثرة، فقال فرعون لموسى: ادع لنا ربك فيهلكه، فإنه لم يعذب أحد قط بالضفادع، فدعا موسى ربه، فأمات الضفادع، فأرسل الله مطرا جوادا، فجزى بهم الماء حتى قذفهم في البحر.
فقالوا: إنما كان هذا الضفادع من المطر الذي كان أصابنا، فلن يعود إلينا أبدا، فنكثوا، فأرسل الله عليهم الدم، حتى صارت أنهارهم، وركاباهم دما، وأنهار بني إسرائيل ماء عذب، فإذا دخل القبطي ليستقي من ماء بني إسرائيل، صار دما ما بين يديه وما خلفه صاف، إذا تحول ليأخذ من الصافي، صار دما وخلفه صاف، فمكثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ماء صافيا، فقالوا لفرعون: هلكنا وهلكت مواشينا وذرارينا من العطش، فقال لموسى: ادع لنا ربك ليكشف عنا، ونعطيك ميثاقا لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل، فدعا موسى ربه، فكشفه عنهم، ولما شربوا الماء نكثوا العهد.
فذلك قوله: ولما وقع عليهم الرجز ، يعني العذاب الذي كان نزل بهم، قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز ، يعني هذا العذاب كله، لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل إلى فلسطين.
يقول الله: فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه ، يعني الغرق، إذا هم ينكثون العهد الذي عاهدوا عليه موسى، عليه السلام، لقولهم: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل إلى فلسطين.
يقول الله: فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بلسان العبرانية، يعني به البحر، وهو نهر بمصر، بأنهم كذبوا بآياتنا ، يعني الآيات التسع، قالوا: يا أيها الساحر، أنت الذي تعمل هذه الآيات، وإنها سحر، وليست من الله، وكانوا عنها غافلين ، يعني معرضين، فلم يتفكروا فيها فيعتبرون.
قال فرعون لموسى في حم الزخرف: يا أيه الساحر ادع لنا ربك ، فقال: لا أدعو وأنتم تزعمون أني ساحر، فقال في الأعراف: يا موسى ادع لنا ربك ، يعني سل لنا ربك.