الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم  يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير  يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير  

قوله: وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ، يعني قصور الياقوت والدر، فتهب ريح طيبة من تحت العرش بكثبان المسك الأبيض، نظيرها في هل أتى : نعيما وملكا كبيرا يعني عاليهم كثبان المسك الأبيض، ثم قال: ورضوان من الله ، يعني ورضوان الله عنهم، أكبر ، يعني أعظم مما أعطوا في الجنة من الخير، ذلك الثواب هو الفوز العظيم ، وفي ذلك أن الملك من الملائكة يأتي باب ولي الله، فلا يدخل عليه إلا بإذنه، والقصة في: هل أتى على الإنسان .

قوله: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ، يعني كفار العرب بالسيف، واغلظ عليهم على المنافقين باللسان، ثم ذكر مستقرهم في الآخرة، فقال: ومأواهم جهنم ، يعني مصيرهم جهنم، يعني كلا الفريقين، وبئس المصير ، يعني حين يصيرون إليها.

يحلفون بالله ما قالوا ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام غزاة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن، ويعيب المنافقين المتخلفين، جعلهم رجسا، فسمع من غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين، فغضبوا لإخوانهم المتخلفين، فقال جلاس بن سويد بن الصامت ، وقد سمع عامر بن قيس الأنصاري ، من بني عمرو بن عوف، الجلاس يقول: والله لئن كان ما يقول محمد حقا كإخواننا الذين خلفناهم وهم سراتنا وأشرافنا، لنحن أشر من الحمير، فقال عامر بن قيس للجلاس: أجل والله، إن محمدا لصادق مصدق، ولأنت أشر من الحمار.

فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، أخبر عاصم بن عدي الأنصاري عن قول عامر بما قال الجلاس ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عامر ، والجلاس ، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم للجلاس ما قال، فحلف [ ص: 60 ] الجلاس بالله ما قال ذلك، فقال عامر: لقد قاله وأعظم منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"ما هو؟ قال: أرادوا قتلك فنفر الجلاس من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قوما فاحلفا" فقاما عند المنبر فحلف الجلاس ما قال ذلك، وأن عامرا كذب، ثم حلف عامر بالله إنه لصادق ولقد سمع قوله، ثم رفع عامر بيده، فقال: اللهم أنزل على عبد نبيك تكذيب الكاذب وصدق الصادق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "آمين"، فأنزل في الجلاس: يحلفون بالله ما قالوا .

ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ، يعني بعد إقرارهم بالإيمان، وهموا بما لم ينالوا من قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة، وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم ، فقال الجلاس: فقد عرض الله على التوبة، أجل والله لقد قلته، فصدق عامرا ، وتاب الجلاس وحسنت توبته، ثم قال: وهموا بما لم ينالوا من قتل النبي صلى الله عليه وسلم، يعني المنافقين أصحاب العقبة ليلة هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة بغزوة تبوك، منهم عبد الله بن أبي ، رأس المنافقين، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق ، والجلاس بن سويد ، ومجمع بن حارثة ، وأبو عامر بن النعمان ، وأبو الخواص ، ومرارة بن ربيعة ، وعامر بن الطفيل ، وعبد الله بن عتيبة ، ومليح التميمي ، وحصن بن نمير ، ورجل آخر، هؤلاء اثنا عشر رجلا، وتاب أبو لبابة عن عبد المنذر ، وهلال بن أمية ، وكعب بن مالك الشاعر ، وكانوا خمسة عشر رجلا. وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا عن التوبة، يعذبهم الله عذابا أليما ، يعني شديدا، في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي يمنعهم ولا نصير ، يعني مانع من العذاب.

التالي السابق


الخدمات العلمية