الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم  وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين  قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين  وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين  قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين  قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين  قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم  تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين  

[ ص: 119 ] وقال اركبوا فيها في السفينة بسم الله إذا ركبتموها، فقولوا: بسم الله مجراها حين تجري، ومرساها حين تحبس، إن ربي لغفور للذنوب، رحيم بنا حين نجانا من العذاب وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه كنعان سبع مرات، وكان ابنه من صلبه، وكان في معزل كان معتزلا عنه، يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين فتغرق معهم.

قال ابنه سآوي ، يعني سأنضم، إلى جبل أصعده يعصمني ، يعني يمنعني من الغرق الماء قال نوح: لا عاصم اليوم ، يعني لا مانع اليوم من أمر الله ، يعني به الغرق، ثم استثنى، فقال: إلا من رحم ربي، يقول: من عصم من المؤمنين فركب معي في السفينة، فإنه لن يغرق، يقول الله تعالى: وحال ، يعني وحجز بينهما الموج ، يعني بين نوح وابنه كنعان ، فكان من المغرقين ، وغضب الله على كنعان حين ظن أن الجبل يمنعه من الله فلا يغرق.

وقيل يا أرض ابلعي ماءك بعدما غرقتهم أجمعين، فابتلعت الأرض ما خرج منها من الماء، ويا سماء أقلعي ، يعني أمسكي، قال: فلم تقع قطرة، وغيض الماء ، يعني ونقص الماء وطهرت الجبال، وقضي الأمر ، يعني العذاب بالغرق على الكافرين فغرقوا، واستوت السفينة على الجودي شهرا، وهو جبل قريب من الموصل؛ لأن الجبال تطاولت وتواضع الجودي، وقيل بعدا للقوم الظالمين ، يعني المشركين، يعني بالبعد الهلاك.

[ ص: 120 ] ونادى نوح ربه ، يعني دعا نوح ربه، فيها تقديم، فقال رب إن ابني من أهلي الذين وعدتني أن تنجيهم من الغرق، وإن وعدك الحق ، يعني الصدق، ولا خلاف له في النجاة، وأنت أحكم الحاكمين ، يعني خير الحاكمين لا تجور في القضاء.

قال الله تعالى: يا نوح إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم، إنه عمل غير صالح ، يعني عمل شركا، فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك ، يعني أؤدبك أن تكون من الجاهلين لسؤالك إياي.

قال رب إني أعوذ بك أن أسألك بعد النهي ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي ذنبي، يعني مقالي، وترحمني فلا تعذبني، أكن من الخاسرين في العقوبة.

قيل يا نوح اهبط من السفينة بسلام منا ، فسلمه الله ومن معه من الغرق، ثم قال: وبركات عليك وعلى أمم ممن معك في السفينة، يعني بالبركة أنهم توالدوا وكثروا بعدما خرجوا من السفينة، ثم قال: وأمم سنمتعهم في الدنيا إلى آجالهم، ثم يمسهم منا يقول: يصيبهم منا عذاب أليم ، يعني وجيع، يعني بالأمم قوم هود، وصالح وإبراهيم ولوط، وشعيب، الذين أهلكهم الله في الدنيا بالعذاب بعد قوم نوح.

ثم قال: تلك القصة من أنباء ، يعني من أحاديث الغيب غاب عنك، لم تشهدها يا محمد، ولم تعلمها إلا بوحينا، نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت يا محمد ولا قومك من قبل هذا القرآن حتى أعلمناك أمرهم في القرآن، يعني الأمم الخالية قوم نوح، وهود، وصالح، وغيرهم، فاصبر على تكذيب كفار مكة، وعلى أذاهم إن العاقبة ، يعني الجنة للمتقين الشرك.

التالي السابق


الخدمات العلمية