ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين وقال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين
[ ص: 145 ] ولما بلغ أشده ، يعني ثماني عشرة سنة، آتيناه حكما ، يقول: أعطيناه فهما، وعلما وكذلك نجزي المحسنين ، يعني وهكذا نجزي المخلصين بالفهم والعلم.
وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب على نفسها وعلى يوسف في أمر الجماع، وقالت هيت لك ، يعني هلم لك نفسي، تريد المرأة الجماع، فغلبته بالكلام، قال معاذ الله ، يعني أعوذ بالله، إنه ربي أحسن مثواي ، يقول: إنه سيدي، يعني زوجها، أكرم مثواي، يعني منزلتي، إنه لا يفلح ، يعني لا يفوز الظالمون إن ظلمته في أهله، وألقي عليها شهوة أربعين إنسانا.
ولقد همت به ، يقول: همت المرأة بيوسف حتى استلقت للجماع، وهم بها يوسف حين حل سراويله وجلس بين رجليها، لولا أن رأى برهان ربه ، يعني آية ربه لواقعها، والبرهان مثل له يعقوب عاضا على إصبعه، فلما رأى ذلك، ولى دبرا واتبعته المرأة، كذلك ، يعني هكذا، لنصرف عنه السوء ، يعني الإثم، والفحشاء ، يعني المعاصي، إنه من عبادنا المخلصين بالنبوة والرسالة، نظيرها: إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ، يعني بالنبوة.
واستبقا الباب ، يوسف أمامها هارب منها، وهي وراءه تتبعه لتحبسه على نفسها، فأدركته قبل أن ينتهي إلى الباب، وقدت قميصه من دبر ، يقول: فمزقت قميصه من ورائه حتى سقط القميص عن يوسف، وألفيا ، يقول: وجدا، كقوله: ألفينا عليه آباءنا ، يعني وجدا سيدها ، يعني زوجها، لدى الباب ، يعني عند الباب ومعه ابن عمها يملخا بن أزليخا ، قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ، يعني الزنا، إلا أن يسجن حبسا في نصب ، أو عذاب أليم ، يعني ضربا وجيعا.
قال يوسف للزوج هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها [ ص: 146 ] وهو يمليخا ابن عم المرأة ، فتكلم بعقل ولب، قال: إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ، أي إن كان يوسف هو الذي راودها، فقدت، يعني فمزقت قميصه من قبل، يعني من قدامه، فصدقت على يوسف، ويوسف من الكاذبين في قوله.
وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ، أي وإن كان يوسف هو الهارب منها، فأدركته فقدت قميصه من دبر، فكذبت على يوسف، ويوسف من الصادقين في قوله، وقد سمعا جلبتهما وتمزيق القميص من وراء الباب.
فلما رأى الزوج قميصه قد من دبر ، يقول: مزق من ورائه، قال لها: إنه من كيدكن ، يقول: تمزيق القميص من فعلكن، يعني امرأته، ثم قال: إن كيدكن ، يعني فعلكن عظيم لأن المرأة لا تزال بالرجل حتى يقع في الخطيئة العظيمة.
ثم قال الشاهد ليوسف: يوسف أعرض عن هذا الأمر الذي فعلت بك، ولا تذكره لأحد، ثم أقبل الشاهد على المرأة، فقال: واستغفري لذنبك ، يعني واعتذري إلى زوجك واستعفيه ألا يعاقبك، إنك كنت من الخاطئين . وقال نسوة في المدينة ، وهن خمس نسوة: امرأة الخباز، وامرأة الساقي، وامرأة صاحب السجن، وامرأة صاحب الدواب، وامرأة صاحب الإذن ، قلن: امرأت العزيز تراود فتاها العبراني، يعني عبدها الكنعاني، عن نفسه قد شغفها حبا ، يعني غلبها حبا شديدا هلكت عليه، إنا لنراها في ضلال مبين ، يعني في خسران بين، يعني شقاء من حب يوسف، عليه السلام، حتى فشا عليها.
فلما سمعت زليخا بمكرهن ، يعني بقولهن لها، أرسلت إليهن فجئنها، وأعتدت لهن متكأ ، وهو الأترج، وكل شيء يحز بالسكين فهو متكأ، وآتت يعني وأعطت كل واحدة منهن سكينا ، وأمرت يوسف، عليه السلام، فتزين وترجل، [ ص: 147 ] وكان أعطي يوسف في زمانه ثلث الحسن، وأتاه الحسن من قبل جده إسحاق من قبل أمه سارة، وورثت سارة حسنها من قبل حواء امرأة آدم، عليه السلام، وحسن حواء من آدم؛ لأنها خلقت منه.
وقال كل ذكر أحسن من الأنثى من الأشياء كلها، وفضل مقاتل: يوسف في زمانه بحسنه على الناس، كفضل القمر ليلة البدر على الكواكب.
وقالت ، أي ثم قال: يا يوسف: اخرج عليهن من البيت، فلما رأينه أكبرنه ، يعني أعظمنه، وقطعن أيديهن ، يعني وحززن أصابعهن بالسكين حين نظرن إليه، وقلن حاش لله ، يعني معاذ الله، ما هذا بشرا إنسانا، إن هذا إلا ملك كريم ، يعني حسن، فأعجبها ما صنعن وما قلن.
قالت زليخا: فذلكن الذي لمتنني فيه الذي افتتنتن به، ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ، يعني فامتنع عن الجماع، ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ، يعني المذلين.
قالت النسوة: يا يوسف، ما يمنعك أن تقضي لها حاجتها؟ فدعا يوسف ربه، قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من الزنا، حين قلن ليوسف: ما يحملك على ألا تقضي لها حاجتها، وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن ، يقول: أفضي إليهن، وأكن من الجاهلين ، يعني من المذنبين.
فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن ، يعني مكرهن وشرهن، إنه هو السميع لدعاء يوسف، العليم به. ثم بدا لهم ، يعني ثم بدا للزوج من بعد ما رأوا الآيات ، يعني من بعد ما رأوا العلامات في تمزيق القميص من دبر أنه بريء، ليسجننه حتى حين ، وذلك أنها قالت لزوجها حين لم يطاوعها يوسف: احبس يوسف في السجن لا يلج علي، فصدقها فحبسته، فقال له صاحب السجن: من أنت؟ قال: ولم تسألني من أنا؟ قال: لأني أحبك، قال: أعوذ بالله من حبك، أحبني والدي، فلقيت من إخوتي ما لقيت، وأحبتني امرأة العزيز، فلقيت من حبها ما لقيت، فلا حاجة لي في حب أحد إلا في إلهي الذي في السماء، قال: أخبرني من أنت؟ قال: أنا يوسف نبي الله، ابن يعقوب صفي الله، ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله، وكان يوسف في السجن يؤنس الحزين، ويطمئن الخائف، ويقوم على المريض، ويعبر لهم الرؤيا.
[ ص: 148 ]