إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم
ثم بين ما حرم، قال عز وجل: إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل ، يعني وما ذبح لغير الله به من الآلهة، فمن اضطر إلى شيء مما حرم الله عز وجل في هذه الآية، غير باغ يستحلها في دينه، ولا عاد ، يعني ولا معتد لم يضطر إليه فأكله، فإن الله غفور لما أصاب من الحرام، رحيم بهم حين أحل لهم عند الاضطرار.
ثم عاب من حرم ما أحل الله عز وجل، فقال سبحانه: ولا تقولوا لما تصف ، [ ص: 242 ] يعني لما تقول، ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ، يعني ما حرموا للآلهة من الحرث والأنعام، وما أحلوا منها، لتفتروا على الله الكذب ، يعني يزعمون أن الله عز وجل أمرهم بتحريم الحرث والأنعام، ثم خوفهم، فقال سبحانه: إن الذين يفترون على الله الكذب بأنه أمر بتحريمه، لا يفلحون في الآخرة، يعني لا يفوزون.
ثم استأنف، فقال سبحانه: متاع قليل ، يتمتعون في الدنيا، ولهم عذاب أليم ، يقول: في الآخرة يصيرون إلى عذاب وجيع.
ثم بين ما حرم على اليهود، فقال سبحانه: وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل في سورة الأنعام، قبل سورة النحل، قال سبحانه: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا ، يعني المبعر، أو ما اختلط من الشحم بعظم ، فهو لهم حلال من قبل سورة النحل، وما ظلمناهم بتحريمنا عليهم الشحوم واللحوم وكل ذي ظفر، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بقتلهم الأنبياء، واستحلال الربا والأموال، وبصدهم الناس عن دين الله عز وجل.
ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ، نزلت في جبر غلام ابن الحضرمي ، أكره على الكفر بعد إسلامه، وقلبه مطمئن بالإيمان، يقول: راض بالإيمان، فعمد النبي صلى الله عليه وسلم فاشتراه وحل وثاقه، وتاب من الكفر وزوجه مولاة لبني عبد الدار، فأنزل الله عز وجل فيه: ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ، فكل ذنب من المؤمن فهو جهل منه، ثم تابوا من بعد ذلك السوء، وأصلحوا العمل، إن ربك من بعدها لغفور ، يعني بعد الفتنة لغفور لما سلف من ذنوبهم، رحيم بهم فيما بقي.