[ ص: 246 ] سورة الإسراء
سورة بني إسرائيل، مكية كلها، إلا هذه الآيات، فإنهن مدنيات
وهي قوله تعالى: وقل رب أدخلني مدخل صدق الآية.
وقوله تعالى: إن الذين أوتوا العلم من قبله إلى قوله: خشوعا وقوله تعالى: إن ربك أحاط بالناس الآية. وقوله تعالى: وإن كادوا ليفتنونك الآية. قوله تعالى: ولولا أن ثبتناك الآيتين. وقوله تعالى: وإن كادوا ليستفزونك من الأرض الآية. عددها مائة وإحدى عشرة آية كوفية.
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير
سبحان ، يعني عجب، الذي أسرى بعبده ، في رجب، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، يعني بيت المقدس، قبل الهجرة بسنة، وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة، وعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنهار: نهر من لبن، ونهر من عسل، ونهر من خمر، فلم يشرب النبي صلى الله عليه وسلم الخمر، فقال جبريل: أما إن الله حرمها على أمتك، الذي باركنا حوله ، يعني بالبركة الماء، والشجر، والخير، لنريه من آياتنا ، فكان مما رأى من الآيات البراق، والرجال، والملائكة، وصلى بالنبيين تلك، إنه هو السميع البصير . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح بمكة ليلة أسري به من مكة، فقال وزوجها لأم هانئ ابنة أبي طالب، هبيرة بن أبي وهب المخزومي: "لقد رأيت الليلة عجبا"، قالت: وما ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: "لقد صليت في مصلاي هذا صلاة العشاء، وصلاة الفجر، [ ص: 247 ] وصليت فيما بينهما في بيت المقدس"، فقالت: وكيف فعلت؟ قال: "أتاني جبريل، عليه السلام، وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام، وأخذ بيدي وأخرجني من الباب، وميكائيل، عليه السلام، بالباب معه دابة، فوق الحمار ودون البغل، ووجهها كوجه الإنسان، وخدها كخد الفرس، وعرفها كعرف الفرس، بلقاء، سيلاء، مضطربة الخلق، لها جناحان، ذنبها كذنب البقر، وحافرها كأظلاف البقر، خطوها عند منتهى بصرها، كان سليمان بن داود، عليه السلام، يغدو عليها مسيرة شهر، فحملاني عليها، ثم أخذا يزفان بي حتى أتيت بيت المقدس، ومثل لي النبيون، فصليت بهم، ورأيت ورأيت".
فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيخرج، أخذت بحبرته، قالت: أين تخرج؟ قال: "أخرج إلى أم هانئ قريش، فأخبرهم بالذي رأيت"، فقالت: لا تفعل، فوالله ليجترئن عليك المكذب، وليمترين فيك المصدق، قال: "وإن كذبوني لأخرجن"، ونزع يدها من حبرته، فخرج إلى المسجد، فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس في الحجر، فقام عليهم، فقال: "ألا أحدثكم بالعجب؟ "، قالوا: أخبرنا، فإن أمرك كله عجب، قال: "لقد صليت في هذا الوادي صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت فيما بينهما ببيت المقدس، ومثل لي النبيون، فصليت بهم وكلمت بعضهم"، فصدقه المؤمنون، وكذبه المشركون.
فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: ما ثكلتني يدي على هذا الكذاب ألا لن أكون ذلك اليوم جزعا، فآخذك بيدي أخذا، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس، ورجعت من ليلتك، ونحن لا نبلغه إلا في أربعين ليلة بعد شق الأنفس، أشهد أنك كذاب ساحر، فبينما هم كذلك، إذ جاء ، رضوان الله عليه، فقالت أبو بكر الصديق قريش: يا أبا بكر ، ألا تسمع ما يقول صاحبك، يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر بمكة، وصلى فيما بينهما ببيت المقدس، قال ، رضي الله عنه: إن كان قال ذلك، فقد صدق. أبو بكر الصديق
وقال أبو بكر ، رضي الله عنه، للنبي صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت وأمي، حدثني عن باب بيت المقدس، وعن البيت، وعن سواريه، وعن الصخرة، وعن هذا كله، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم، فالتزمه أبو بكر ، فقال: أشهد أنك صادق، فسمي يومئذ ، فقال المسلمون: يا رسول الله، كيف رأيت الأنبياء، عليهم السلام؟ قال: "رأيت الصديق، اسمه: عتيق بن عثمان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم رجلا أبيض، فوق الربعة، ودون الطويل، ظاهر الدم، عريض الصدر، جعد الرأس، يعلوه صهوبة، أشبه الناس بعروة بن معتب الثقفي ".
[ ص: 248 ] "ورأيت موسى، عليه السلام، رجلا طويلا، آدم شديد الأدمة، ضرب اللحم، سبط الشعر أشعر كأنه من رجال أزدشنوءة، لو لبس قميصين لرؤي شعره منهما، ورأيت إبراهيم عليه السلام، أشبه الناس بي خلقا وخلقا، فبدأني بالسلام والمصافحة والترحم، ورأيت الدجال ، رجلا جسيما، لحيما، آدم، جعد الرأس، كث اللحية، ممسوح العين، أحلى الجبهة براق الثنايا، مكتوبا بين عينيه كافر، شبيها بفطن بن عبد العزى ".
"ورأيت عمرو بن ربيعة بن يحيى بن قمعة بن خندف الخزاعي ، والحارث بن كعب ابن عمرو ، وعليهما وفرة يجران قصبهما في النار"، يعني أمعاءهما، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ولم؟ قال: "لأنهما أول من سيبا السائبة، واتخذا البحيرة والوصيلة والحام، وأول من سميا اللات والعزى، وأمرا بعبادتهما، وغيرا دين الحنيفية ملة إبراهيم، عليه السلام، ونصبا الأوثان حول الكعبة، فأما عمرو بن ربيعة ، فهو رجل قصير، أشبه الناس به هذا، يعني أكثم بن الجون الخزاعي" ، فقال أكثم: يا رسول الله، أيضرني شبهه؟ قال: "لا أنت مؤمن وهو كافر".
فقال رجل من كفار قريش للمطعم بن عدي: عجلت على ابن أخيك، ثم قال كهيئة المستهزئ: رويدك يا محمد حتى نسألك عن عيرنا، هل رأيتها في الطريق؟ قال: "نعم"، قال: فأين رأيتها؟ قال: "رأيت عير بني فلان بالروحاء نزولا، قد ضلت لهم ناقة، وهم في طلبها، فمررت على رجالهم وليس بها أحد منهم، فوجدت في إناء لهم ماء، فشربت منه وتوضأت، فاسألوهم إذا أتوكم، هل كان ذلك؟ " قالوا: هذه آية.
قال: "ومررت على عير بني فلان، في وادي كذا وكذا، في ساعة كذا وكذا من الليل، ومعي جبريل وميكائيل، عليهما السلام، فنفرت منا إبلهم، فوقعت ناقة حمراء فانكسرت، فهم يجبرونها، فاسألوهم إذا أتوكم، هل كان ذلك؟ "، قالوا: نعم، هذه آية، قال رجل منهم: فأين تركت عيرنا؟ قال: "تركتها بالتنعيم قبيل"، قال: فإن كنت صادقا، فهي قادمة الآن، قال: "نعم"، قال: فأخبرنا بعدتها وأحمالها وما فيها، قال: "كنت عن ذلك مشغولا، غير أن برنسا كان لهم على البعير الذي يقدم الركب، فسقط البرنس فرجع حبشي من القوم فأصابه، فوضعه على آخر الركب، فاسألوهم إذا أتوكم هل كان ذلك".
فبينا هو صلى الله عليه وسلم يحدثهم، إذ مثل الله عز وجل له كل شيء حتى نظر إلى عدتها وأحمالها ومن فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أين السائل آنفا عن إبله، فإن عدتها وأحمالها ومن فيها كذا [ ص: 249 ] وكذا، ويقدمها جمل أورق، وهي قادمة الآن"، فانطلقوا يسعون، فإذا هي منحدرة من عتبة التنعيم، وإذا هي وأحمالها وعدتها وما فيها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: لقد صدق ، إن هذا لساحر مبين، وما يجري الوليد بن المغيرة محمد صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا متى تقدم عيرنا، وما حالها وأحمالها ومن فيها، فكفوا بعض الأذى سنة.