واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا
[ ص: 309 ] واذكر لأهل مكة، في الكتاب مريم ، يعني في القرآن ابنة عمران بن ماثان ، ويعقوب بن ماثان ، من نسل سليمان بن داود عليهم السلام، إذ انتبذت ، يعني إذ انفردت، من أهلها مكانا شرقيا ، فجلست في المشرقة؛ لأنه كان الشتاء.
فاتخذت من دونهم حجابا ، يعني جبلا، فجعلت الجبل بينها وبينهم، فلم يرها أحد منهم، كقوله في ص: حتى توارت بالحجاب ، يعني الجبل، وهو دون ق بمسيرة سنة، والشمس تغرب من ورائه، فأرسلنا إليها روحنا ، يعني جبريل، عليه السلام، فتمثل لها بشرا سويا ، يعني إنسانا سويا، يعني سوي الخلق، على صورة شاب أمرد، جعد الرأس.
فلما رأته حسبته إنسانا، قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ، يعني مخلصا لله عز وجل تعبده.
قال جبريل، عليه السلام: إنما أنا رسول ربك لأهب لك بأمر الله عز وجل، غلاما زكيا ، يعني مخلصا، يقول صالحا.
قالت مريم: أنى من أين يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ، يعني ولم يكن لي زوج، ولم أك بغيا ، يعني ولم أركب فاحشة.
قال جبريل، عليه السلام: كذلك ، يعني هكذا، قال ربك إنه يكون لك ولد من غير زوج، هو على ، على الله، هين ، يعني يسير أن يخلق في بطنك ولدا من غير بشر، ولنجعله آية ، يقول: ولكي نجعله عبرة، للناس ، يعني في بني إسرائيل، ورحمة ، يعني ونعمة، منا لمن تبعه على دينه، مثل قوله سبحانه: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ، يعني بالرحمة النعمة لمن اتبعه على دينه، وكان عيسى صلى الله عليه وسلم من غير بشر، أمرا مقضيا ، قد قضى الله عز وجل في اللوح المحفوظ أنه كائن لا بد.