وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي
[ ص: 337 ] وما أعجلك عن قومك يا موسى ، يعني السبعين الذين اختارهم موسى حين ذهبوا معه إلى الطور ليأخذوا التوراة من ربه، عز وجل، فلما ساروا عجل موسى ، عليه السلام، شوقا إلى ربه تبارك وتعالى، وخلف السبعين، وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل، فقال الله عز وجل له: وما أعجلك عن قومك ؟ السبعين.
قال لربه جل وعز: هم أولاء على أثري يجيئون من بعدي وعجلت يعني أسرعت إليك رب لترضى يقول: حتى ترضى عني.
قال الله جل جلاله: فإنا قد فتنا قومك يعني الذين خلفهم مع هارون على ساحل البحر سوى السبعين من بعدك بالعجل وأضلهم السامري حين أمرهم بعبادة العجل وكانوا اثني عشر ألفا.
فرجع موسى من الجبل إلى قومه غضبان عليهم أسفا حزينا لعبادتهم العجل قال لهم يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا يعني حقا كقوله سبحانه في البقرة: وقولوا للناس حسنا يعني حقا في محمد صلى الله عليه وسلم، أن يعطيكم التوراة فيها بيان كل شيء، والوعد حين قال عز وجل: وواعدناكم جانب الطور الأيمن حين سار موسى مع السبعين ليأخذوا التوراة، فطال عليهم العهد، يعني ميعاده إياهم أربعين يوما، فذلك قوله تعالى: أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب يعني أن يجب عليكم عذاب، كقوله تعالى: قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب يعني عذاب من ربكم فأخلفتم موعدي يعني الأربعين يوما، وذلك أنهم عدوا الأيام والليالي، فعدوا عشرين يوما وعشرين ليلة، ثم قالوا لهارون: قد تم الأجل الذي كان بيننا وبين موسى ، فعند ذلك أضلهم السامري.
قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ونحن نملك أمرنا ولكنا حملنا أوزارا يعني خطايا؛ لأن ذلك حملهم على صنع العجل وعبادته من زينة القوم يقول: من حلي [ ص: 338 ] آل فرعون الذهب والفضة، وذلك أنه لما مضى خمسة وثلاثون يوما، قال لهم السامري وهو من بني إسرائيل: يا أهل مصر ، إن موسى لا يأتيكم، فانظروا هذا الوزر، هو الرجس الذي على نسائكم وأولادكم من حلي آل فرعون الذي أخذتموه منهم غصبا، فتطهروا منه، واقذفوه في النار.
ففعلوا ذلك وجمعوه فعمد السامري؛ فأخذه ثم صاغه عجلا لست وثلاثين يوما، وسبعة وثلاثين يوما، وثمانية وثلاثين يوما، فصاغه في ثلاثة أيام، ثم قذف القبضة التي أخذها من أثر حافر فرس جبريل، عليه السلام، فخار العجل خورة واحدة، ولم يثن، فأمرهم السامري بعبادة العجل لتسعة وثلاثين يوما، ثم أتاهم موسى ، عليه السلام، من الغد لتمام أربعين يوما، فذلك قوله سبحانه فقذفناها فكذلك يعني هكذا ألقى السامري الحلي في النار.
فأخرج لهم عجلا جسدا يعني بالجسد أنه لا روح فيه له خوار يعني له صوت فقالوا قال السامري وحده: هذا إلهكم وإله موسى معشر بني إسرائيل، وذلك أن لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، فاغتنمها بني إسرائيل لما عبروا البحر مروا على العمالقة وهم عكوف على أصنام لهم، قالوا السامري ، فلما اتخذه قال: هذا إلهكم وإله موسى معشر بني إسرائيل فنسي يقول: فترك موسى ربه وهو هذا، وقد ذهب موسى يزعم خطاب ربه، يقول الله جل جلاله.