الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب  أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور

والذين كفروا بتوحيد الله مثل أعمالهم الخبيثة كسراب بقيعة يعني عز وجل بالسراب الذي يرى في الشمس بأرض قاع يحسبه الظمآن يعني العطشان ماء فيطلبه ويظن أنه قادر عليه حتى إذا جاءه يعني أتاه لم يجده شيئا فهكذا الكافر إذا انتهى إلى عمله يوم القيامة وجده لم يغن عنه شيئا، لأنه عمله في غير إيمان،  كما لم يجد العطشان السراب شيئا حتى انتهى إليه، فمات من العطش، فهكذا الكافر يهلك يوم القيامة كما هلك العطشان حين انتهى إلى السراب، يقول: [ ص: 421 ] ووجد الله جل جلاله بالمرصاد، عنده عمله فوفاه حسابه يقول: فجازاه بعمله لم يظلمه والله سريع الحساب يخوفه بالحساب كأنه قد كان، نزلت في شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، وكان يلتمس الدين في الجاهلية، ويلبس الصفر، فكفر في الإسلام.

ثم ضرب الله عز وجل لشيبة وكفره بالإيمان مثلا آخر، فقال: أو كظلمات في بحر لجي يعني في بحر عميق، والبحر إذا كان عميقا كان أشد لظلمته، يعني بالظلمات الظلمة التي فيها الكافر، والبحر اللجي قلب الكافر يغشاه موج فوق الماء، ثم يذهب عنه ذلك الموج، ثم يغشاه موج آخر مكان الموج الأول. فذلك قوله عز وجل: يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات فهي ظلمة الموج، وظلمة الليل، وظلمة البحر والسحاب، يقول: وهذه ظلمات بعضها فوق بعض فهكذا الكافر قلبه مظلم في صدر مظلم، في جسد مظلم، لا يبصر نور الإيمان، كما أن صاحب البحر إذا أخرج يده في ظلمة الماء لم يكد يراها يعني لم يرها البتة، فذلك قوله عز وجل: ومن لم يجعل الله له نورا يعني الهدى الإيمان فما له من نور يعني من هدى.

إذا أخرج يده لم يكد يراها لم يقارب به البصر، كقول الرجل لم يصب، ولم يقارب.

التالي السابق


الخدمات العلمية