إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين
[ ص: 470 ] إذ قال موسى لأهله يعني امرأته حين رأى النار إني آنست نارا يقول: إني رأيت نارا، وهو نور رب العزة جل ثناؤه، رآه ليلة الجمعة عن يمين الجبل بالأرض المقدسة سآتيكم منها بخبر أين الطريق، وقد كان تحير وترك الطريق، ثم قال: فإن لم أجد من يخبرني الطريق، أو آتيكم بشهاب قبس يقول: آتيكم بنار قبسة مضيئة لعلكم تصطلون من البرد.
فلما جاءها يعني النار، وهو نور رب العزة، تبارك وتعالى، نودي أن بورك من في النار ومن حولها يعني الملائكة وسبحان الله رب العالمين في التقديم، ثم قال: يا موسى إنه أنا الله يقول: إن النور الذي رأيت أنا العزيز الحكيم وألق عصاك فلما رآها تهتز يعني تحرك كأنها جان يعني كأنها كانت حية ولى مدبرا من الخوف من الحية ولم يعقب يعني ولم يرجع، يقول الله عز وجل يا موسى لا تخف من الحية إني لا يخاف لدي يعني عندي المرسلون إلا من ظلم نفسه من الرسل، فإنه يخاف، فكان منهم آدم، ويونس وسليمان، وإخوة يوسف، وموسى بقتله النفس، عليهم السلام، ثم بدل حسنا بعد سوء يعني فمن بدل إحسانا بعد إساءته فإني غفور رحيم . وأدخل يدك اليمنى في جيبك يعني جيب المدرعة من قبل صدره، وهي مضربة تخرج اليد من المدرعة بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس من غير سوء يعني من غير برص، ثم انقطع الكلام، يقول الله تبارك وتعالى لمحمد: صلى الله عليه وسلم في تسع آيات يعني أعطي تسع آيات: اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل والضفادع، والدم، والسنين، والطمس، فآيتان منهما أعطي موسى ، عليه السلام، بالأرض المقدسة: اليد والعصا، حين أرسل إلى فرعون ، وأعطي سبع آيات بأرض مصر [ ص: 471 ] حين كذبوه، فكان أولها اليد، وآخرها الطمس، يقول: إلى فرعون واسمه فيطوس وقومه أهل مصر إنهم كانوا قوما فاسقين يعني عاصين.
فلما جاءتهم آياتنا مبصرة يعني مبينة معاينة يرونها قالوا : يا موسى هذا الذي جئت به سحر مبين يعني بين، يقول الله عز وجل: وجحدوا بها يعني بالآيات، يعني بعد المعرفة، فيها تقديم واستيقنتها أنفسهم أنها من الله عز وجل، وأنها ليست بسحر ظلما شركا وعلوا تكبرا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين في الأرض بالمعاصي، كان عاقبتهم الغرق، وإنما استيقنوا بالآيات أنها من الله، لدعاء موسى ربه أن يكشف عنهم الرجز، فكشفه عنهم، وقد علموا ذلك.