الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين  اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون  قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين  قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون  قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون  وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون  ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون  

قال سليمان للهدهد: دلنا على الماء سننظر فيما تقول، أصدقت في قولك أم كنت يعني أم أنت من الكاذبين مثل قوله عز وجل: كنتم خير أمة أخرجت للناس . وكان الهدهد يدلهم على قرب الماء من الأرض إذا نزلوا، فدلهم على ماء، فنزلوا واحتفروا الركايا، وروى الناس والدواب، وكانوا قد عطشوا، فدعا سليمان الهدهد وقال: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم يعني إلى أهل سبأ ثم تول يقول: ثم انصرف عنهم فانظر ماذا يرجعون الجواب، فحمل الهدهد الكتاب بمنقاره، فطار حتى وقف على رأس المرأة، فرفرف ساعة والناس ينظرون، فرفعت المرأة رأسها، فألقى الهدهد الكتاب في حجرها، فلما رأت الكتاب ورأت الخاتم رعدت وخضعت، وخضع من معها من الجنود، لأن ملك سليمان ، عليه السلام، كان في خاتمه فعرفوا أن الذي أرسل هذا الطير أعظم من ملكها، فقالت: إن ملكا رسله الطير، إن ذلك الملك عظيم، فقرأت هي الكتاب، وكانت عربية من قوم تبع بن أبي شراحيل الحميري ، وقومها من قوم تبع، وهم عرب، فأخبرتهم بما في الكتاب، ولم يكن فيه شيء غير: " إنه من سليمان ، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي " ألا تعظموا علي " وأتوني مسلمين ". قال أبو صالح: ويقال: مختوم.

فـ قالت المرأة لهم: يا أيها الملأ يعني الأشراف، إني ألقي إلي كتاب كريم يعني: كتاب حسن إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم . [ ص: 475 ] ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين . ثم قالت: إن يكن هذا الملك يقاتل على الدنيا، فإنا نمده بما أراد من الدنيا، وإن كان يقاتل لربه فإنه لا يطلب الدنيا، ولا يريدها، ولا يقبل منا شيئا غير الإسلام.

ثم استشارتهم فـ قالت يا أيها الملأ يعني الأشراف، وهم: ثلاث مائة، وثلاثة عشر قائدا، مع كل مائة ألف، وهم أهل مشورتها، فقالت لهم: أفتوني في أمري من هذا ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون تقول: ما كنت قاضية أمرا حتى تحضرون.

قالوا لها: نحن أولو قوة يعني عدة كثيرة في الرجال كقوله: فأعينوني بقوة ، يعني بالرجال وأولو بأس شديد في الحرب، يعني الشجاعة والأمر إليك يقول: قد أخبرناك بما عندنا، وما نجاوز ما تقولين، فانظري ماذا تأمرين يعني ماذا تشيرين علينا، كقول فرعون لقومه: فماذا تأمرون يعني ماذا تشيرون علي.

قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها يعني أهلكوها، كقوله عز وجل: لفسدت السماوات والأرض يعني لهلكتها ومن فيهن، ثم قال: وجعلوا أعزة أهلها أذلة يعني أهانوا أشرافها وكبراءها لكي يستقيم لهم الأمر، يقول الله عز وجل: وكذلك يفعلون كما قالت.

ثم قالت المرأة لأهل مشورتها: وإني مرسلة إليهم بهدية أصانعهم على ملكي إن كانوا أهل دنيا، فناظرة بم يرجع المرسلون من عنده بالجواب، فأرسلت بالهدية مع الوفد عليهم المنذر بن عمر ، والهدية مائة وصيف، ومائة وصيفة، وجعلت للجارية قصة أمامها، وقصة مؤخرها، وجعلت للغلام قصة أمامه، وذؤابة وسط رأسه، وألبستهم لباسا واحدا، وبعثت بحقة فيها جوهرتان إحداهما مثقوبة والأخرى غير مثقوبة. وقالت للوفد: إن كان نبيا، فسيميز بين الجواري والغلمان ويخبر بما في الحقة، ويرد الهدية فلا يقبلها، وإن كان ملكا فسيقبل الهدية ولا يعلم ما في الحقة، فلما انتهت الهدية إلى سليمان ، عليه السلام، ميز بين الوصفاء والوصائف من قبل الوضوء، وذلك أنه [ ص: 476 ] أمرهم بالوضوء فكانت الجارية تصب الماء على بطن ساعدها، والغلام على ظهر ساعده، فيميز بين الوصفاء والوصائف وحرك الحقة، وجاء جبريل، عليه السلام، فأخبره بما فيها فقيل له: أدخل في المثقوبة خيطا من غير حيلة إنس ولا جان، وأثقب الأخرى من غير حيلة إنس ولا جان، وكانت الجوهرة المثقوبة معوجة، فأتته دودة تكون في الفضفضة وهي الرطبة، فربط في مؤخرها خيطا، فدخلت الجوهرة حتى أنفذت الخيط إلى الجانب الآخر، فجعل رزقها في الفضة، وجاءت الأرضة فقالت لسليمان : اجعل رزقي في الخشب والسقوف والبيوت، قال: نعم، فثقبت الجوهرة فهذه حيلة من غير إنس ولا جان.

وسألوه ماء لم ينزل من السماء، ولم يخرج من الأرض، فأمر بالخيل فأجريت حتى عرقت فجمع العرق في شيء حتى صفا وجعله في قداح الزجاج، فعجب الوفد من علمه، وجاء جبريل، عليه السلام، فأخبره بما في الحقة فأخبرهم سليمان بما فيها، ثم رد سليمان الهدية.

فلما جاء سليمان قال للوفد: أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم يقول: فما أعطاني الله تعالى من الإسلام والنبوة والجنود خير مما أعطاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون يعني إذا أهدى بعضكم إلى بعض، فأما أنا فلا أفرح بها إنما أريد منكم الإسلام.

ثم قال سليمان لأمير الوفد: ارجع إليهم بالهدية فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها لا طاقة لهم بها من الجن والإنس، ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون يعني مذلين بالإنس والجن.

التالي السابق


الخدمات العلمية