وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين وقالت امرأت فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون
وأوحينا إلى أم موسى واسمها يوكابد من ولد لاوى بن يعقوب أن أرضعيه فأمرها جبريل، عليه السلام، بذلك فإذا خفت عليه القتل وكانت [ ص: 490 ] أرضعته ثلاثة أشهر، وكان خوفها أنه كان يبكي من قلة اللبن، فيسمع الجيران بكاء الصبي، فقال: فإذا خفت عليه فألقيه في اليم يعني في البحر، وهو بحر النيل، فقالت: رب، إني قد علمت أنك قادر على ما تشاء، ولكن كيف لي أن ينجو صبي صغير من عمق البحر، وبطون الحيتان، فأوحى الله عز وجل إليها أن تجعله في التابوت، ثم تقذفه في اليم، فإني أوكل به ملكا يحفظه في اليم، فصنع لها التابوت حزقيل القبطي ، موسى في التابوت، ثم ألقته في البحر يقول الله عز وجل: ووضعت ولا تخافي عليه الضيعة ولا تحزني عليه القتل إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين إلى مصر فصدقت، بذلك ففعل الله عز وجل ذلك به، وبارك الله تعالى على موسى ، عليه السلام، وهو في بطن أمه ثلاث مائة وستين بركة.
فالتقطه آل فرعون من البحر من بين الماء والشجر، وهو في التابوت، فمن ثم سمي موسى ، بلغة القبط الماء: مو، والشجر: سى، فسموه موسى ، ثم قال تعالى ليكون لهم عدوا في الهلاك وحزنا يعني وغيظا في قتل الأبكار، فذلك قوله عز وجل: وإنهم لنا لغائظون لقتلهم أبكارنا، ثم قال سبحانه: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين . وقالت امرأت فرعون واسمها آسية بنت مزاحم، عليها السلام: قرت عين لي ولك لا تقتلوه فإنا آتينا به من أرض أخرى، وليس من بني إسرائيل، عسى أن ينفعنا فنصيب منه خيرا أو نتخذه ولدا يقول الله عز وجل: وهم لا يشعرون أن هلاكهم في سببه.
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به وذلك أنها رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر، فخشيت عليه الغرق، فكادت تصيح شفقة عليه، فذلك قوله عز وجل: إن كادت لتبدي به يقول: إن همت لتشعر أهل مصر بموسى ، عليه السلام، أنه ولدها لولا أن ربطنا على قلبها بالإيمان لتكون من المؤمنين يعني من المصدقين بتوحيد الله عز وجل، حين قال لها: إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين .
وقالت أم موسى لأخته يعني أخت موسى لأبيه وأمه، واسمها مريم: قصيه يعني قصي أثره في البحر، وهو في التابوت يجري في الماء، حتى تعلمي [ ص: 491 ] علمه من يأخذه فبصرت به عن جنب يعني كأنها مجانبة له بعيدا من أن ترقبه كقوله تعالى: والجار الجنب يعني بعيدا منهم من قوم آخرين، وعينها إلى التابوت معرضة بوجهها عنه إلى غيره، وهم لا يشعرون أنها ترقبه.
وحرمنا عليه المراضع من قبل أن يصير إلى أمه، وذلك أنه لم يقبل ثدي امرأة فقالت أخته مريم: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم يعني يضمنون لكم رضاعه، وهم له للولد ناصحون هن أشفق عليه وأنصح له من غيره، فأرسل إليها فجاءت، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها.
فذلك قوله عز وجل: فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق لقوله: إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ثم قال تعالى: ولكن أكثرهم يعني أهل مصر لا يعلمون بأن وعد الله عز وجل حق.