الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين  فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين  ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل  ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير  فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين  قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين  قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين  قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل

[ ص: 493 ] وجاء رجل فجاء حزقيل بن صابوث القبطي ، وهو المؤمن من أقصى المدينة يعني أقصى القرية يسعى على رجليه، فـ قال يا موسى إن الملأ من أهل مصر يأتمرون بك ليقتلوك بقتلك القبطي، فاخرج من القرية إني لك من الناصحين . فخرج موسى ، عليه السلام، منها من القرية خائفا أن يقتل يترقب يعني ينتظر الطلب، وهو هارب منهم قال رب نجني من القوم الظالمين يعني المشركين، أهل مصر، فاستجاب الله عز وجل له، فأتاه جبريل، عليه السلام، فأمره أن يسير تلقاء مدين ، وأعطاه العصا، فسار من مصر إلى مدين في عشرة أيام بغير دليل.

فذلك قوله عز وجل: ولما توجه تلقاء مدين بغير دليل خشي أن يضل الطريق قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل يعني يرشدني قصد الطريق إلى مدين فبلغ مدين .

فذلك قوله تعالى: ولما ورد ماء مدين ابن إبراهيم خليل الرحمن لصلبه عليهم السلام، وكان الماء لمدين فنسب إليه، ثم قال: وجد عليه أمة يقول: وجد موسى على الماء جماعة من الناس يسقون أغنامهم، ووجد من دونهم امرأتين تذودان يعني حابستين الغنم لتسقى فضل ماء الرعاء، وهما ابنتا شعيب النبي صلى الله عليه وسلم: واسم الكبرى صبورا، واسم الصغرى عبرا، وكانتا توأمتين، فولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار، قال لهما موسى : ما خطبكما يعني ما أمركما، قالتا لا نسقي الغنم حتى يصدر الرعاء بالغنم راجعة من الماء إلى الرعي، فنسقي فضلتهم وأبونا شيخ كبير لا يستطيع أن يسقي الغنم من الكبر، فقال لهما موسى ، عليه السلام: أين الماء ؟ فانطلقا به إلى الماء، فإذا الحجر على رأس البئر لا [ ص: 494 ] يزيله إلا عصابة من الناس، فرفعه موسى ، عليه السلام، وحده بيده، ثم أخذ الدلو، فأدلى دلوا واحدا، فأفرغه في الحوض، ثم دعا بالبركة.

فسقى لهما الغنم، فرويت ثم تولى يعني انصرف إلى الظل ظل شجرة، فجلس تحتها من شدة الحر وهو جائع، فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير يعني إلى الطعام، فرجعت الكبيرة إلى موسى لتدعوه.

فذلك قوله عز وجل: فجاءته إحداهما يعني الكبرى تمشي على استحياء يعني على حياء، وهي التي تزوجها موسى ، عليه السلام، فـ قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا وبين موسى وبين أبيها ثلاثة أميال، فلولا الجوع الذي أصابه ما اتبعها، فقام يمشي معها، ثم أمرها أن تمشي خلفه وتدله بصوتها على الطريق كراهية أن ينظر إليها، وهما على غير جادة، يقول: فلما جاءه : فلما أتى موسى شعيبا، عليهما السلام، وقص عليه يعني على شعيب القصص الذي كان من أمره أجمع، أمر القوابل اللائي قتلن أولاد بني إسرائيل، وحين ولد وحين قذف في التابوت في اليم، ثم المراضع بعد التابوت، حتى أخبره بقتل الرجل من القبط،  قال له شعيب : لا تخف نجوت من القوم الظالمين يعني المشركين.

قالت إحداهما وهي الكبرى يا أبت استأجره إن خير من استأجرت يقول: إن الذي استأجرت هو القوي الأمين قال شعيب لابنته: من أين علمت قوته ؟ وأمانته ؟ قالت: أزال الحجر وحده عن رأس البئر، وكان لا يطيقه إلا رجال، وذكرت أنه أمرها أن تمشي خلفه كراهية أن ينظر إليها.

فـ قال شعيب لموسى، عليهما السلام: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي يعني أن أزوجك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني نفسك ثماني حجج فإن أتممت عشرا يعني عشر سنين، فمن عندك وما أريد أن أشق عليك في العشر ستجدني إن شاء الله من الصالحين يعني من الرافقين بك، كقول موسى لأخيه هارون: اخلفني في قومي وأصلح يعني وارفق بهم، في سورة الأعراف.

[ ص: 495 ] قال موسى : ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت ثماني سنين، أو عشر سنين، فلا عدوان يعني فلا سبيل علي والله على ما نقول وكيل يعني شهيد فيما بيننا، كقوله عز وجل: وكفى بالله وكيلا يعني شهيدا، فأتم موسى ، عليه السلام، عشر سنين على أن يزوج ابنته الكبرى  اسمها صبورا بنت شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية