يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون
يا عبادي الذين آمنوا نزلت في ضعفاء مسلمي أهل مكة إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان، فـ إن أرضي يعني أرض الله بالمدينة واسعة من الضيق فإياي فاعبدون يعني فوحدوني بالمدينة علانية، ثم خوفهم الموت ليهاجروا، فقال تعالى: كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون في الآخرة بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم.
ثم ذكر المهاجرين، فقال سبحانه: والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم يعني لننزلنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها لا تموتون في الجنة نعم أجر يعني جزاء العاملين لله عز وجل.
[ ص: 524 ] ثم نعتهم، فقال عز وجل: الذين صبروا على الهجرة وعلى ربهم يتوكلون يعني وبالله يثقون في هجرتهم؛ وذلك أن أحدهم كان يقول بمكة : أهاجر إلى المدينة وليس لي بها مال، ولا معيشة.
فوعظهم الله ليعتبروا، فقال: وكأين يعني وكم من دابة في الأرض أو طير لا تحمل يعني لا ترفع رزقها معها الله يرزقها حيث توجهت وإياكم يعني يرزقكم إن هاجرتم إلى المدينة وهو السميع العليم لقولهم: إنا لا نجد ما ننفق في المدينة .
ثم قال عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ولئن سألتهم يعني ولئن سألت كفار مكة من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله وحده خلقهم فأنى يؤفكون يعني عز وجل من أين تكذبون يعني بتوحيدي.
ثم رجع إلى الذين رغبهم في الهجرة، والذين قالوا: لا نجد ما ننفق، فقال عز وجل: الله يبسط يعني يوسع الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له يعني ويقتر على من يشاء إن الله بكل شيء عليم من البسط على من يشاء، والتقتير عليه.
ولئن سألتهم يعني كفار مكة من نزل من السماء ماء يعني المطر، فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله يفعل ذلك قل الحمد لله بإقرارهم بذلك بل أكثرهم لا يعقلون بتوحيد ربهم، وهم مقرون بأن الله عز وجل خلق الأشياء كلها وحده.