قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا
قد يعلم الله المعوقين منكم وذلك أن اليهود أرسلوا إلى المنافقين يوم الخندق ، فقالوا : ماذا الذي حملكم أن تقتلوا أنفسكم بأيدي ومن معه فإنهم إن قدروا هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا ، إنا نشفق عليكم ، إنما أنتم إخواننا ، ونحن جيرانكم ، أبي سفيان والقائلين لإخوانهم هلم إلينا فأقبل رجلان من المنافقين عبد الله بن أبي ، ورجل من أصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم ومن معه ، قالوا : لئن قدروا عليكم هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا ، ما ترجون من بأبي سفيان محمد ؟ فوالله ما يرفدنا بخير ، ولا عنده خير ، ما هو إلا أن يقتلنا هاهنا وما لكم في صحبته خير ، هلم ننطلق إلى إخواننا وأصحابنا يعنون اليهود ، فلم يزد قول المنافقين للمؤمنين إلا إيمانا وتسليما واحتسابا ، فذلك قوله عز وجل : قد يعلم الله المعوقين منكم يعني عبد الله بن أبي وأصحابه ، "و" يعلم والقائلين لإخوانهم يعني اليهود حين دعوا إخوانهم المنافقين حين قالوا هلم إلينا .
ثم قال : ولا يأتون يعني المنافقين البأس يعني القتال إلا قليلا [ ص: 41 ] يعني بالقليل إلا رياء وسمعة من غير احتساب ، ثم أخبر عن المنافقين ، فقال تعالى : أشحة عليكم يقول : أشفقة من المنافقين عليكم حين يعوقونكم يا معشر المؤمنين ، ثم أخبر عنهم عند القتال أنهم أجبن الناس قلوبا وأضعفهم يقينا وأسوأهم ظنا بالله عز وجل فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف وجاءت الغنيمة سلقوكم يعني رموكم ، يعني عبد الله بن أبي وأصحابه ، يقول : بألسنة حداد يعني ألسنة سليطة باسطة بالشر يقولون : أعطونا الغنيمة فقد كنا معكم فلستم بأحق بها منا ، يقول الله عز وجل : أشحة على الخير يعني الغنيمة أولئك لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يصدقوا بتوحيد الله فأحبط الله أعمالهم يقول : أبطل جهادهم؛ لأن أعمالهم خبيثة وجهادهم لم يكن في إيمان وكان ذلك يعني حبط أعمالهم على الله يسيرا يعني هينا.
ثم ذكر المنافقين فقال عز وجل : يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وذلك أن الأحزاب الذي تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، رضي الله عنهم ، في الخندق ، وكان على أهل أبو سفيان بن حرب مكة ، وكان على بني المصطلق وهم من خزاعة يزيد بن الحليس الخزاعي ، وكان على هوازن ، مالك بن عوف النصري ، وكان على بني غطفان وعيينة بن حصن بن بدر الفزاري وكان على بني أسد طلحة بن خويلد الفقعسي من بني أسد ، ثك كانت اليهود فقذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب ، وأرسل عليهم ريحا وهي الصبا ، فجعلت تطفئ نيرانهم وتلقي أبنيتهم وأنزل جنودا لم تروها من الملائكة فكبروا في عسكرهم ، فلما سمعوا التكبير قذف الله تعالى الرعب في قلوبهم ، وقالوا : قد بدأ محمد بالشر فانصرفوا إلى مكة راجعين عن الخندق والرعب الذي نزل بهم في الخندق وإن يأت الأحزاب يعني وإن يرجع الأحزاب إليهم للقتال يودوا يعني يود المنافقون لو أنهم بادون في الأعراب ولم يشهدوا القتال يسألون عن أنبائكم يعني عن حديثكم وخبر ما فعل محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولو كانوا فيكم يشهدون القتال ما قاتلوا يعني المنافقين إلا قليلا يقول : ما قاتلوا إلا رياء وسمعة من غير حسبة.