الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد  قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد  قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب  قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد  قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب  ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب  وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد  وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد  وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب  

قل لكفار مكة إنما أعظكم بواحدة بكلمة واحدة كلمة الإخلاص أن تقوموا لله الحق مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ألا يتفكر الرجل وحده ومع صاحبه فيعلم ويتفكر في خلق السماوات والأرض وما بينهما أن الله جل وعز خلق هذه الأشياء وحده ، وأن محمدا لصادق وما به جنون إن هو يعني النبي صلى الله عليه وسلم إلا نذير لكم مبين ، يعني بينا بين يدي عذاب شديد في الآخرة.

قل ما سألتكم من أجر فهو لكم وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل كفار مكة ألا يؤذوه حتى يبلغ عن الله عز وجل الرسالة ، فقال بعضهم لبعض ، ما سألكم شططا كفوا عنه ، فسمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يوما يذكر اللات والعزى في القرآن ، فقالوا : ما ينتهي هذا الرجل عن عيب آلهتنا سألنا ألا نؤذيه فقد فعلنا ، وسألناه ألا يؤذينا في آلهتنا فلم يفعل ، فأكثروا في ذلك ، فأنزل الله عز وجل : قل ما سألتكم من أجر جعل فهو لكم إن أجري ما جزائي إلا على الله وهو على كل شيء شهيد بأني نذير ، وما بي من جنون.

قل إن ربي يقذف بالحق يتكلم بالوحي علام الغيوب عالم كل غيب ، وإذا قال جل وعز عالم الغيب فهو غيب واحد قل جاء الحق الإسلام وما يبدئ الباطل وما يعيد يقول : ما يبدئ الشيطان الخلق فيخلقهم ، وما يعيد خلقهم في الآخرة فيبعثهم بعد الموت ، والله جل وعز يفعل ذلك.

قل إن ضللت وذلك أن كفار مكة ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لقد ضللت حين تركت دين [ ص: 70 ] آبائك فإنما أضل على نفسي إنما ضلالتي على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي من القرآن إنه سميع الدعاء قريب الإجابة.

ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت يقول : إذا فزعوا عند معاينة العذاب ، نزلت في السفياني ، وذلك أن السفياني يبعث ثلاثين ألف رجل من الشام مقاتلة إلى الحجاز عليهم رجل اسمه بحير بن بجيلة ، فإذا انتهوا إلى البيداء خسف بهم ، فلا ينجو منهم أحد غير رجل من جهينة اسمه ناجية يفلت وحده ، مقلوب وجهه وراء ظهره ، يرجع القهقرى ، فيخبر الناس بما لقي أصحابه. قال : وأخذوا من مكان قريب من تحت أرجلهم.

وقالوا آمنا به حين رأوا العذاب يقول الله تعالى : وأنى لهم التناوش التوبة عند معاينة العذاب من مكان بعيد الرجعة إلى التوبة بعيد منهم لأنه لا يقبل منهم.

وقد كفروا به بالقرآن من قبل نزول العذاب حين بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم ويقذفون بالغيب يقول : ويتكلمون بالإيمان من مكان بعيد يقول : التوبة تباعد منهم ، فلا يقبل منهم ، وقد غيب عنهم الإيمان عند نزول العذاب ، فلم يقدروا عليه عند نزول العذاب بهم في الدنيا وحيل بينهم وبين ما يشتهون من أن تقبل التوبة منهم عند العذاب كما فعل بأشياعهم من قبل يقول : كما عذب أوائلهم من الأمم الخالية من قبل هؤلاء إنهم كانوا في شك من العذاب بأنه غير نازل بهم في الدنيا مريب يعني بمريب أنهم لا يعرفون شكهم ، ويقال : كان هذا العذاب بالسيف يوم بدر ، وقالوا : آمنا به ، يعني بالقرآن.

[ ص: 71 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية