والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور
ثم دل جل وعز على نفسه ، فقال : والله خلقكم يعني بدأ خلقكم من تراب يعني آدم ، عليه السلام ثم من نطفة يعني نسله ثم جعلكم ذرية آدم [ ص: 74 ] أزواجا وما تحمل من أنثى يقول : لا تحمل المرأة الولد ولا تضع الولد إلا بعلمه ثم قال جل وعز : وما يعمر من معمر يعني من قل عمره أو كثر فهو إلى أجله الذي كتب له ، ثم قال جل وعز : ولا ينقص من عمره كل يوم حتى ينتهي إلى أجله إلا في كتاب اللوح المحفوظ مكتوب قبل أن يخلقه إن ذلك على الله يسير الأجل حين كتبه الله جل وعز في اللوح المحفوظ.
وما يستوي البحران يعني الماء العذب والماء المالح هذا عذب فرات يعني طيب سائغ شرابه يسيغه الشارب وهذا ملح أجاج مر لا ينبت ومن كل من الماء المالح والعذب تأكلون لحما طريا السمك وتستخرجون حلية يعني اللؤلؤ تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر يعني بالمواخر أن سفينتين تجريان إحداهما مقبلة والأخرى مدبرة بريح واحدة ، تستقبل إحداهما الأخرى لتبتغوا في البحر من فضله من رزقه ولعلكم تشكرون . يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل انتقاص كل واحد منهما من الآخر حتى يصير أحدهما إلى تسع ساعات ، والآخر إلى خمس عشرة ساعة وسخر الشمس والقمر لبني آدم كل يجري لأجل مسمى كلاهما دائبان يجريان إلى يوم القيامة ، ثم دل على نفسه ، فقال جل وعز : ذلكم الله ربكم له الملك فاعرفوا توحيده بصنعه ، ثم عاب الآلهة ، فقال : والذين تدعون الذين تعبدون من دونه الأوثان ما يملكون من قطمير قشر النوى الذي يكون على النوى الرقيق.
ثم أخبر عن الآلهة اللات والعزى ومناة ، فقال سبحانه : إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم يقول : لو أن الأصنام سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم يقول : إن الأصنام يوم القيامة يتبرءون من عبادتكم إياها ، فتقول للكفار : ما أمرناكم بعبادتنا ، نظيرها في يونس : فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ولا ينبئك مثل خبير يعني الرب نفسه سبحانه فلا أحد أخبر منه.
قوله عز وجل : يا أيها الناس يعني كفار مكة أنتم الفقراء إلى الله يعني إلى ما عند الله تعالى والله هو الغني عن عبادتكم الحميد عند خلقه.
[ ص: 75 ] إن يشأ يذهبكم أيها الناس بالهلاك إذا عصيتم ويأت بخلق جديد غيركم أمثل منكم.
وما ذلك على الله بعزيز إن فعل ذلك هو على الله هين.
ولا تزر وازرة وزر أخرى لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى وإن تدع مثقلة من الوزر إلى حملها من الخطايا أن يحمل عنها لا يحمل منه من وزرها شيء ولو كان ذا قربى ولو كان بينهما قرابة ما حملت عنها شيئا من وزرها إنما تنذر المؤمنين الذين يخشون ربهم بالغيب آمنوا به ولم يروه وأقاموا الصلاة أتموا الصلاة المكتوبة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ومن صلح فصلاحه لنفسه وإلى الله المصير فيجزي بالأعمال في الآخرة.
ثم ضرب مثل المؤمن والكافر ، فقال جل وعز : وما يستوي الأعمى والبصير وما يستويان في الفضل والعمل ، الأعمى عن الهدى يعني الكافر ، والبصير بالهدى المؤمن.
ولا تستوي الظلمات ولا النور يعني بالظلمات الشرك ، والنور يعني الإيمان.