الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 111 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      صلى الله على محمد نبي الرحمة ، وعلى آله وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو عمر : قرئ على أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين رضي الله عنه بقرطبة [في] شعبان سنة خمس وتسعين وثلاثمائة : الحمد لله الذي أنزل الكتاب على محمد عبده ورسوله ؛ ليكون للعالمين نذيرا ، وجعله داعيا إليه وسراجا منيرا ؛ فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسل به ، ونصح لمن أرسل إليه ، وكان كما وصفه الله بالمؤمنين رؤوفا رحيما صلى الله عليه وسلم تسليما .

                                                                                                                                                                                                                                      وبعد ؛ فإني قرأت كتاب يحيى بن سلام في تفسير القرآن ، فوجدت فيه تكرارا كثيرا ، وأحاديث (ذكرها) ؛ يقوم علم التفسير دونها ، فطال بذلك الكتاب [وإنه للذي] خبرته من قلة نشاط أكثر الطالبين للعلوم في زماننا هذا - إلا إلى ما يخف في هذا الكتاب على الدارس ، ويقرب للمقيد - نظرت فيه ، فاختصرت فيه مكرره وبعض أحاديثه ، وزدت فيه من غير كتاب يحيى تفسير ما لم يفسره يحيى ، وتبعت ذلك إعرابا كثيرا ولغة ؛ على ما نقل عن النحويين ، وأصحاب اللغة السالكين لمناهج الفقهاء في التأويل ؛ زائدا على الذي ذكره يحيى من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأبتدئ ببعض ما افتتح به يحيى كتابه ؛ فمن ذلك : أنه قال : حدثني سفيان [ ص: 112 ] الثوري ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال في القرآن بغير علم ، فليتبوأ مقعده من النار   " .

                                                                                                                                                                                                                                      يحيى : وأخبرني صاحب لي ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة " أن حذيفة بن اليمان قال لعثمان بن عفان : ما كنت صانعا إذا قيل : قراءة فلان ، وقراءة فلان ؛ كما صنع أهل الكتاب فأصنعه الآن . فجمع عثمان الناس على هذا المصحف ؛ وهو حرف زيد " .

                                                                                                                                                                                                                                      يحيى : وحدثني الحسن بن [دينار] عن محمد بن سيرين " أن جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيعرض عليه القرآن عرضة كل عام ؛ فلما كان العام الذي قبض فيه ، أتاه فعرض عليه مرتين " .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن سيرين : فكانوا (يرون أن قراءتنا هذه) على العرضة الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 113 ] قال يحيى : وحدثونا أن السور لم تنزل كل سورة منها جملة ، إلا اليسير منها ، ولكن النبي عليه السلام قد كان سمى السور ؛ فكلما نزل من القرآن شيء ، أمر أن يضعوه من السور في المكان الذي يأمرهم به ؛ حتى تمت السور ، وكان يأمر أن يجعل في بعض السور المكية من المدني ، وأن يجعل في بعض السور المدنية من المكي ، وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : إن الله - تبارك وتعالى - يأمرك أن تجعل آية كذا بين ظهراني كذا ، وكذا (بين كذا وكذا) من السورة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد نزل المكي قبل المدني وأن هذا [التأليف الذي] بين السور لم ينزل على هذا التأليف ، ولكنه وضع هكذا ، لم يجعل المكي من [السور] على حدة ؛ يتبع بعضه بعضا في تأليف السور ، ولم يجعل المدني من السور على حدة ؛ يتبع بعضه بعضا في تأليف السور .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد نزل بمكة بعض ما أمر به لما يكون بالمدينة [يعملون به] إذا قدموا المدينة ، وأن بعض الآيات نزلت الآية منها قبل الآية ، وهي بعدها [في التأليف ، وقد فسرنا هذه الوجوه في مواضعها من التفسير وإن ما نزل بمكة ، وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي عليه السلام المدينة فهو من المكي ، وما نزل على النبي عليه السلام في أسفاره بعدما قدم المدينة فهو من المدني] وما كان وأكثره مكي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 114 ] قال يحيى : ولا يعرف القرآن إلا من عرف اثنتي عشرة خصلة : المكي والمدني ، والناسخ والمنسوخ ، والتقديم والتأخير ، والمقطوع والموصول ، والخاص والعام ، والإضمار والعربية .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : وجميع ما نقلته من كتاب يحيى أخبرني به أبي رحمه الله عن أبي الحسن علي بن الحسن ، عن أبي داوود أحمد بن موسى ، عن يحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه ما حدثني به [أبي] عن أبي الحسن عن يحيى بن محمد بن يحيى بن سلام عن أبيه ، عن جده ، وكل ما أدخلته من طريق يحيى بن محمد فقد قلت : إنه من طريق (حديث) يحيى بن محمد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأسأل الله العون والتأييد والإرشاد والتسديد ؛ لا إله إلا الله هو [الفعال لما يريد] .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 115 ] [ ص: 116 ] [ ص: 117 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية