" فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي رواه عنه: النواس بن سمعان "ما لكم تتهافتون في الكذب كما يتهافت الفراش في النار" ؟ يعني بقوله صلى الله عليه وسلم "تتهافتون" : تتساقطون، يقال منه: تهافت البق علي والذبان، فهي تتهافت تهافتا.
وتتهافت: تتفاعل من الهفت، يقال في السالم من فعله [ ص: 151 ] بغير زيادة: هفت البق علي فهو يهفت هفتا، كما قال " رؤبة بن العجاج
ترى بها من كل مرشاش الورق كثمر الحماض من هفت العلق
وأما الفراش، فإنها جمع فراشة، وهي في البرد وأيام الشتاء تبدأ، فيما ذكر، دودا، فإذا انحسر البرد وأقبلت أوائل الصيف، والحر صار له أجنحة ، وإياه عنى الطرماح بقوله:وانساب حيات الكثيب، وأقبلت ورق الفراش لما يشب الموقد
وأما الفراش، في غير هذا، فإنها العظام الرقاق التي يركب بعضها بعضا في أعالي الخياشيم إلى الجمجمة، وكل رقيق من عظم، أو حديد، أو غيره فهو فراشة.
ومن ذلك قيل لفراشة القفل: فراشة، لدقتها ، يقال من ذلك ضرب فلان رأس فلان فأطار فراشه، إذا أطار العظام التي ذكرت، ومنه قول نابغة بني ذبيان:
يطير فضاضا بينها كل قونس ويتبعها منهم فراش الحواجب
[ ص: 152 ]
وأبصرن أن القنع صارت نطافه فراشا، وأن البقل ذاو ويابس
فأيها الغاشي القذاف الأتيعا إن كنت لله التقي الأطوعا
فليس وجه الحق أن تبدعا
وكل ذلك قريب المعنى، بعضه من بعض، لأن المتسرع إلى الأمر غير متثبت فيه، كالذي يلج فيه فلا ينزع في حال ينبغي له النزوع عنه فيها، وإذا لج فيه تابع الأمر الذي هو فيه بعضه إثر بعض.
وأما قول فأتاهم بعتود، فإن العتود الجذع من أولاد المعز، ومنه الخبر الذي رواه شهر بن حوشب: البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لأبي [ ص: 153 ] بردة بن نيار: "عد لضحية أخرى" ، قال: يا رسول الله عندي عتود جذع هي خير منها، تجمع عتدانا، وعتدا، ومن جمعه على عتدان قول الأخطل:
واذكر غدانة عتدانا مزنمة من الحبلق تبنى حولها الصير
واذكر غدانة عدانا مزنمة
بإدغام التاء في الدال.وأما قول كان لهم كلام يتكلمون به إذا خشوا، يدرءون به عن أنفسهم، فإنه عنى بقوله: يدرءون عن أنفسهم، يدفعون به عنها إذا خافوا عليها مكروها ممن لا طاقة لهم به، ومنه قول الله تعالى ذكره: إبراهيم النخعي: قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين يعني بقوله جل جلاله: فادرءوا ، فادفعوا.
ومنه قول الشاعر:
أقول إذا درأت لها وضيني أهذا دينه أبدا وديني؟
تقول إذا درأت
.