وقد روي عن رضوان الله عليه في ذلك خبر يدل على أنه لم يكن يوجب فيه شيئا، وذلك ما: عمر بن الخطاب
25 - حدثني ، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم هشيم ، قال: أخبرنا حجاج ، وعبد الملك ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، رضوان الله عليه رأى رجلا يقطع من شجر عمر بن الخطاب الحرم ، ويعلفه بعيرا له، قال: فقال: "علي بالرجل" [ ص: 17 ] فأتي به، فقال: يا عبد الله، "أما علمت أن أن مكة حرام لا يعضد عضاهها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمعرف؟ قال: فقال: يا أمير المؤمنين، لا والله ما حملني على ذلك إلا أن معي نضوا لي، فخشيت ألا يبلغني أهلي، وما معي من زاد ولا نفقة قال: فرق له بعد ما هم به، قال: وأمر له ببعير من إبل الصدقة موقر طحينا، فأعطاه إياه، وقال: لا تعودن أن تقطع من شجر الحرم شيئا"، فهذا الخبر ينبئ عن أن رضي الله عنه إنما تقدم إلى الذي رآه يقطع من شجر عمر الحرم ويعلفه بعيرا له، بالنهي عن العود لمثل ما فعل من قطعه ذلك، ولم يأمره بجزاء ولا كفارة لما قطع منه، والصواب من القول فيما على من قطع من شجر الحرم المنهي عن قطعه أن يقال: عليه قيمة ما قطع منه، وذلك لصحة الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن قطعه، نظير صحة الخبر عنه بالنهي عن تنفير صيده وقتله، وقد أجمع الجميع من سلف الأمة وخلفهم على أن على قاتل صيده المنهي عنه جزاء، فكذلك الواجب من الحكم على قاطع شجره المنهي عن قطعه: أن يكون عليه جزاؤه، نظير ما على قاتل صيده المنهي عن قتله، لا فرق بين ذلك، ومن فرق بين ذلك سئل البرهان على الفرق بين ذلك من أصل أو نظير، فلن يقول: في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله، فإن اعتل بالإجماع في الصيد والاختلاف في الشجر [ ص: 18 ] قيل: فرد حكم ما اختلف فيه من قطع الشجر، على ما أجمع عليه من حكم قتل الصيد فيه، إذ كلاهما إتلاف ما قد نهي عن إتلافه، وفعل ما قد حظر فعله، وإن اختلفا في أن أحدهما صيد والآخر شجر، وإذ كان صحيحا ما قلنا، من إيجاب قيمة ما قطع من شجر الحرم على من قطعه بالغا ذلك ما بلغ، فبين أن على من قطع من فروع شجرة من شجر الحرم فرعا، أو من أغصانها غصنا، قيمة ذلك الغصن، كما على من جرح صيدا من صيد الحرم ولم يتلفه ذلك الجرح، فعليه قيمة ما نقص ذلك الصيد، إذ كان عليه غرم جزائه إذا أتلف جميعه، فكذلك ذلك في حكم قاطع بعض فروع شجر الحرم وأغصانها، عليه قيمة ما أفسد منها بالقطع، يحكم بذلك ذوا عدل، كما عليه قيمة جميعها إذا قطع جميعها.
وفيه أيضا البيان البين على أن الحرم حرام اصطياده، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم، إذ كان صحيحا عنه النهي عن تنفير صيده، فاصطياده أوكد في التحريم من تنفيره، فإن قال: لنا قائل: فإنك اعتللت في إيجابك الجزاء على من قطع شيئا من شجر صيد الحرم الذي لا ينبته بنو آدم، بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قطعه، وأنه لما صح النهي عنه بذلك، وكان مجمعا على قاتل صيده أن عليه جزاءه، كان نظيرا له قاطع بعض أشجاره، فيما يجب عليه من جزائه بقطعه؟ وقد صححت نهيه عن تنفير صيده، أفتقول فيما يجب على منفره من الجزاء، مثل ما على قاطع شجره وقاتل صيده؟ قيل: أوجب ذلك إن أداه تنفيره إياه إلى هلاكه، وكان تنفيره ذلك سبب عطبه، كما أوجب عليه في قطعه شجره الجزاء، إذ كان قطعه إياه سببا لموته [ ص: 19 ] وهلاكه، فأما إن لم يكن تنفيره إياه سببا لهلاكه وعطبه، أو هلاكا لشيء منه، لم يكن بتنفيره شيء غير التوبة والندم وقد حكي عن عطاء أنه كان يقول: يطعم شيئا .