فإن ادعى قائل هذه المقالة أن الفرق بين إجبار الرجل على ترك جاره يحمل خشبه على جداره، وامتناعه من إجباره من الإنفاق عليه في حال عسره، ورود الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع أحدكم جاره أن يحمل خشبه على جداره" ، وأن لا خبر ورد بأن على الرجل نفقة جاره في حال عسره. قيل له: إن الخبر إنما ورد عنه عليه السلام بالنهي عن منع الرجل جاره أن يضع أطراف خشبة على جداره، دون وروده بأن ذلك للجار في حائط جاره حق مقضي له عليه به، كما يكون يقضى بحقوق الناس الواجبة لبعضهم على بعض، فمن بلغه الخبر وتبينت عنده صحته، ولم يكن له عنده وجه، غير أن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يمنع الرجل جاره أن يضع خشبه على جداره، فمنع جاره ذلك، فهو بتقدمه على ما نهاه عنه عليه السلام من ذلك لله عاص، ولنهي نبيه صلى الله عليه وسلم مخالف، من غير أن يكون ذلك لجاره الممنوع منه حقا يلزم الحكام الحكم [ ص: 797 ] به على المانع، أحب المانع ذلك أو سخط، كما تارك جاره يبيت طاويا وهو على إشباعه قادر، لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم فيما أوجب عليه من حق جاره مخالف، لا أن ذلك - وإن كان كذلك - محكوم به على جاره، أحب ذلك الجار أو كره.
فإن كان في نهيه صلى الله عليه وسلم المرء أن يمنع جاره من حمل خشب على حائطه، دليل على إيجابه ذلك عليه حقا، وإلزامه الحكام الحكم به على مانع جاره ذلك، فكذلك في قوله: "ليس المؤمن بالذي يبيت وجاره طاو إلى جنبه" ، دليل على إيجابه على المرء إطعام جاره إذا سغب وجاع، والإنفاق عليه إذا أملق وأعسر، وإلزامه الحكام الحكم بذلك على تارك فعل ذلك بجاره، وإلا فما الفرق بينك وبين من عكس الأمر عليك في ذلك، فألزم الحكام الحكم على تارك الإنفاق على جاره في حكم إملاق جاره، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: "ليس المرء الذي يبيت وجاره طاو إلى جنبه" ، وإن لم يكن ورود خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن على المرء نفقة جاره إذا كان معسرا، وأبى إلزامهم الحكم على مانع جاره من وضع أطراف خشبه على جداره بالخبر الوارد عنه عليه السلام: ، إذ لم يكن ورد عنه خبر بأن مواضع أطراف خشب الرجل في جدار جاره حق له يحكم به على صاحب الحائط، أحب ذلك صاحب الحائط، أو سخطه من أصل أو نظير، فلن يقول في أحدهما قولا، إلا ألزم في الآخر مثله . "لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه على جداره"
[ ص: 798 ]