الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
652 - محمد بن أحمد بن أبي موسى أبو علي الهاشمي القاضي :

عالي القدر سامي الذكر له القدم العالي والحظ الوافي عند الإمامين القادر بالله ، والقائم بأمر الله سمع الحديث من جماعة منهم أبو محمد بن مظفر في آخرين .

صنف الإرشاد في المذهب وشاهدت أجزاء بخطه من شرحه لكتاب الخرقي وكانت حلقته بجامع المنصور يفتي ويشهد .

وصحب لأبي الحسن التميمي وغيره من شيوخ المذهب .

قرأت على المبارك بن عبد الجبار من أصله في حلقتنا بجامع المنصور قلت له : حدثك القاضي الشريف أبو علي قال : [ ص: 183 ] باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب الديانات .

حقيقة الإيمان عند أهل الأديان الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان :  أن الله تعالى واحد أحد فرد صمد لا يغيره الأبد ليس له والد ولا ولد وأنه سميع بصير بديع قدير حكيم خبير علي كبير ولي نصير قوي مجير ليس له شبيه ولا نظير ولا عون ولا ظهير ولا شريك ولا وزير ولا ند ولا مشير سبق الأشياء فهو قديم لا كقدمها وعلم كون وجودها في نهاية عدمها لم تملكه الخواطر فتكيفه ولم تدركه الأبصار فتصفه ولم يخل من علمه مكان فيقع به التأبين ولم يقدمه زمان فينطلق عليه التأوين ولم يتقدمه دهر ولا حين ولا كان قبله كون ولا تكوين ولا تجري ماهيته في مقال ولا تخطر كيفيته ببال ولا يدخل في الأمثال والأشكال صفاته كذاته ليس بجسم في صفاته جل أن يشبه بمبتدعاته أو يضاف إلى مصنوعاته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير أراد ما الخلق فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه ولو أراد أن يطيعوه جميعا لأطاعوه خلق الخلائق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم لا سمي له في أرضه وسماواته على العرش استوى وعلى الملك احتوى وعلمه محيط بالأشياء .

كذلك سئل الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه عن قوله عز وجل ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا فقال : علمه .  

والقرآن كلام الله تعالى وصفة من صفات ذاته غير مخلوق ولا محدث كلام رب العالمين في صدور الحافظين وعلى ألسن الناطقين وفي أسماع السامعين وأكف الكاتبين وملاحظة الناظرين برهانه ظاهر وحكمه قاهر ومعجزه باهر .

وأن الله عز وجل كلم موسى تكليما وتجلى للجبل فجعله دكا هشيما وأنه خلق النفوس وسواها وألهمها فجورها وتقواها . [ ص: 184 ]

والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن مع كل عبد رقيبا وعتيدا وحفيظا وشهيدا يكتبان حسناته ويحصيان سيئاته وأن كل مؤمن وكافر وبر وفاجر يعاين عمله عند حضور منيته ويعلم مصيره قبل ميتته .

وأن منكرا ونكيرا إلى كل أحد ينزلان سوى النبيين فيسألان ويمتحنان عما يعتقده من الأديان وأن المؤمن يخبر في قبره بالنعيم والكافر يعذب بالعذاب الأليم وأنه لا محيص لمخلوق من القدر المقدور ولن يتجاوز ما خط في اللوح المسطور .

وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور .

وأن الله جل اسمه يعيد خلقهم كما بدأهم ويحشرهم كما ابتدأهم من صفائح القبور وبطون الحيتان في تخوم البحور وأجواف السباع وحواصل النسور .

وأن الله تعالى يتجلى في القيامة لعباده الأبرار فيرونه بالعيون والأبصار  وأنه يخرج أقواما من النار فيسكنهم الجنة دار القرار وأنه يقبل شفاعة محمد المختار في أهل الكبائر والأوزار .

وأن الميزان حق  توضع فيه أعمال العباد فمن ثقلت موازينه نجا من النار ومن خفت موازينه أدخل جهنم وبئس القرار .

وأن الصراط حق  يجوزه الأبرار وأن حوض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق يرده المؤمنون ويذاد عنه الكفار .

وأن الإيمان غير مخلوق وهو قول باللسان وإخلاص بالجنان  وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان .

وأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين وأفضل المرسلين وأمته خير الأمم أجمعين  وأفضلهم القرن الذين شاهدوه وآمنوا به وصدقوه وأفضل القرن الذي صحبوه أربع عشرة مائة بايعوه بيعة الرضوان وأفضلهم أهل بدر إذ نصروه وأفضلهم أربعون في الدار كنفوه وأفضلهم عشرة عزروه ووقروه [ ص: 185 ] شهد لهم بالجنة وقبض وهو عنهم راض وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار الخلفاء الراشدون المهديون الأربعة الأخيار وأفضل الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي عليهم السلام وأفضل القرون القرن الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يتبعونهم .

وأن نتولى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بأسرهم ولا نبحث عن اختلافهم في أمرهم ونمسك عن الخوض في ذكرهم إلا بأحسن الذكر لهم .

وأن نتولى أهل القبلة ممن ولي حرب المسلمين على ما كان فيهم من علي ، وطلحة ، والزبير وعائشة ومعاوية رضوان الله عليهم ولا ندخل فيما شجر بينهم اتباعا لقول رب العالمين والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم وذكر أبو علي بن شوكة قال : اجتمعنا جماعة من الفقهاء فدخلنا على القاضي أبي علي بن أبي موسى الهاشمي فذكرنا له فقرنا وشدة ضرنا فقال لنا : اصبروا فإن الله سيرزقكم ويوسع عليكم وأحدثكم في مثل هذا بما تطيب به قلوبكم : أذكر سنة من السنين وقد ضاق بي الأمر شيء عظيم حتى بعت رحل داري ونفد جميعه ونقضت الطبقة الوسطى من داري وبعت أخشابها وتقوت بثمنها وقعدت في البيت فلم أخرج وبقيت سنة فلما كان بعد سنة قالت لي المرأة : الباب يدق فقلت لها افتحي الباب ففعلت فدخل رجل فسلم علي فلما رأى حالي لم يجلس حتى أنشدني وهو قائم :


ليس من شدة تصيبك إلا سوف تمضي وسوف تكشف كشفا     لا يضق ذرعك الرحيب فإن
النار يعلو لهيبها ثم تطفا     قد رأينا من كان أشفى على الهلا
ك فوافت نجاته حين أشفى

ثم خرج عني ولم يقعد فتفاءلت بقوله فلم يخرج اليوم عني حتى جاءني [ ص: 186 ] رسول القادر بالله ومعه ثياب ودنانير وبغلة بمركب ثم قال لي : أجب أمير المؤمنين وسلم إلي الدنانير والثياب والبغلة فغيرت عن حالي ودخلت الحمام وصرت إلى القادر بالله فرد إلي قضاء الكوفة وأعمالها وأثرى حالي أو كما قال .

سمعت رزق الله يقول : زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضي الشريف أبي علي فرأيته يقبل رجل القبر فقلت له : في هذا أثر فقال لي : أحمد في نفسي شيء عظيم وما أظن أن الله تعالى يؤاخذني بهذا أو كما قال .

وقال لي أيضا : حضرته وهو في مرض موته فقال لي : اسمع مني الاعتقاد ولا تشك في عقلي فما رأيت الملكين بعد .

مولده في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة .

ووفاته في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ودفن بقرب قبر إمامنا أحمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية