الحنبليون قوم لا شبيه لهم في الدين والزهد والتقوى إذا ذكروا أحكامهم بكتاب الله مذ خلقوا
وبالحديث وما جاءت به النذر إن الإمام أبا يعلى فقيههم
حبر عروف بما يأتي وما يذر صلى فاقتدر فلك المسطور إن فخروا
ما نائم مثل يقظان به سهر
قلما ونقل في طلبه قدماء كما قال عمر لسلمان عليهما السلام حين دون الدواوين " مع من تريد أن أكتبك ؟ قال : مع الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا " . كان الوالد السعيد متميزا بالزهادة على كافة أهل العلم
كان في قناعته كما قال أبو حمزة الصوفي : كنت إذا أصابتني فاقة قلت في نفسي : إلى من أهدي هذه الفاقة ؟ ثم فكرت فلم أجد أحق بها مني فطويتها والأبيات مشهورة في المعنى
إذا شئت أن تستقرض المال منفقا على شهوات النفس في زمن العسر
فسل نفسك الإقراض من كيس صبرها عليك وإنظارا إلى زمن اليسر
فإن فعلت كنت الغني وإن أبي ت فكل نوع عندها واسع العذر
كتابك سيدي لما أتاني سررت به وجدد لي ابتهاجا
وذكرك بالجميل لنا جميل يقلدنا ولم نمزج مزاجا
جللت عن التصنع في وداد فلم نر في توددك اعوجاجا
وقد كثر المداجي والمرائي فلا تحفل عن رائي وداجا
حييت معمرا وجزيت خيرا وعشت لدين ذي التقوى سراجا
ولعمري لقد حاز الوالد السعيد من الفضل ما عسى أن يعجز عنه كثير من [ ص: 203 ] الأقران وعدد من ذوي الأسنان : من ضبط العلوم بحسن بصيرة وإتقان وتدقيقا في الكشف عن غوامض المذهب وخافيه والبيان عن معانيه وهو مع ذلك إلى حين وفاته مع كبر السن مجتهد دائب على التصنيف والتدريس مواظب ثم إصغاؤه مع هذا العلم الكثير إلى كلمة تستفاد من صغير أو كبير ولو قصد قاصد تعداد كتبه ومصنفاته وتأمل ما قرره من الأدلة على غوامض مذهبه ومسائل مفرداته لعسى أن تلحقه السآمة في حسابه والمشقة في استيعابه ولو اقتصر من يقصد العدل والإنصاف على النظر في كتابه الذي صنفه في مسائل الخلاف : لدله على منزلته من العلم دليل كاف .