الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد امتدح بعض أهل العلم الوالد السعيد بأبيات  منها :


الحنبليون قوم لا شبيه لهم في الدين والزهد والتقوى إذا ذكروا     أحكامهم بكتاب الله مذ خلقوا
وبالحديث وما جاءت به النذر     إن الإمام أبا يعلى فقيههم
حبر عروف بما يأتي وما يذر     صلى فاقتدر فلك المسطور إن فخروا
ما نائم مثل يقظان به سهر

ومعلوم ما كان عليه شيوخ عصره وعلماء وقته من بين موافق ومخالف من توقيرهم له في حداثة سنه وسالف دهره وأنه كان إذ ذاك معدودا من الأماثل [ ص: 202 ] والأعيان وشيوخ العلماء وذوي الأسنان الذين قد شح بهم الزمان وذلك عند معرفتهم بعلمه وديانته وتقدمه في النظر والتحقيق وتخصصه بسلوك أحسن طريق وإنما يعرف الفضل لأهله من كان في نفسه فاضلا ويشهد بالعقل لأهله من كان في نفسه عاقلا وقد قيل : نقد الجوهر أشد عوزا من الجوهر .

كان الوالد السعيد متميزا بالزهادة على كافة أهل العلم  قلما ونقل في طلبه قدماء كما قال عمر لسلمان عليهما السلام حين دون الدواوين " مع من تريد أن أكتبك ؟ قال : مع الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا " .

كان في قناعته كما قال أبو حمزة الصوفي : كنت إذا أصابتني فاقة قلت في نفسي : إلى من أهدي هذه الفاقة ؟ ثم فكرت فلم أجد أحق بها مني فطويتها والأبيات مشهورة في المعنى

إذا شئت أن تستقرض المال منفقا     على شهوات النفس في زمن العسر
فسل نفسك الإقراض من كيس صبرها     عليك وإنظارا إلى زمن اليسر
فإن فعلت كنت الغني وإن أبي     ت فكل نوع عندها واسع العذر

وقال : كتب أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزي الحافظ من مكة حياها الله كتابا ذكر فيه أبياتا جوابا عن كتابه فقال :


كتابك سيدي لما أتاني     سررت به وجدد لي ابتهاجا
وذكرك بالجميل لنا جميل     يقلدنا ولم نمزج مزاجا
جللت عن التصنع في وداد     فلم نر في توددك اعوجاجا
وقد كثر المداجي والمرائي     فلا تحفل عن رائي وداجا
حييت معمرا وجزيت خيرا     وعشت لدين ذي التقوى سراجا

وناهيك بأبي نصر السجزي مع علمه ودينه وزهده .

ولعمري لقد حاز الوالد السعيد من الفضل ما عسى أن يعجز عنه كثير من [ ص: 203 ] الأقران وعدد من ذوي الأسنان : من ضبط العلوم بحسن بصيرة وإتقان وتدقيقا في الكشف عن غوامض المذهب وخافيه والبيان عن معانيه وهو مع ذلك إلى حين وفاته مع كبر السن مجتهد دائب على التصنيف والتدريس مواظب ثم إصغاؤه مع هذا العلم الكثير إلى كلمة تستفاد من صغير أو كبير ولو قصد قاصد تعداد كتبه ومصنفاته وتأمل ما قرره من الأدلة على غوامض مذهبه ومسائل مفرداته لعسى أن تلحقه السآمة في حسابه والمشقة في استيعابه ولو اقتصر من يقصد العدل والإنصاف على النظر في كتابه الذي صنفه في مسائل الخلاف : لدله على منزلته من العلم دليل كاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية