وهذا بعض مناقبه وفضائله وما هو شائع له بين الناس من زهده وعلمه أكثر فأغنانا عن أن نسطره ولولا أن أكثر من رآه وعاصره وحضر مجلسه وناظره قد درج وانقرض : لما ذكرنا هذه الشذرات من مناقبه إذ كانت تتضمن مدحنا والإنسان لا يمدح نفسه .
ولعل ناظرا في هذا الذي أوردناه وسطرناه يقول : كيف استجاز مدح والده على لسانه وهو الأصل ومدح الأصل مدح للفرع ؟ .
فنقول : إنما حملنا على ذلك كثرة قول المخالفين وما يلقون إلى تابعيهم من الزور والبهتان ويتخرصون على هذا الإمام من التحريف والعدوان وكان لنا في ذلك رخصة قد سبق إليها الأنبياء والأولياء رضوان الله عليهم وسلامه .
فقد قيل : إذا فلا بأس بذلك قال الله تعالى في قصة اضطر الإنسان إلى مدح نفسه يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الخليل عليهم السلام : قال : اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر " .
قيل في معناه قولين أحدهما : يعني ولا فخر أعظم من هذا وقيل : " . أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له
وروي عن بعض أصحابه نحو هذا الكلام من المدح للنفس في بعض المواضع التي احتاج فيها إلى ذلك .
فروي أن أمير المؤمنين رضي الله عنه قال للخارجين عليه حين ادعوا عليه ما هو بريء منه فقال لهم عثمان : " لولا أنكم قلتم لما قلت [ ص: 228 ] إني رابع أربعة في الإسلام وزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنتيه وحفرت بئر رومة وجهزت جيش العسرة وزدت في المسجد وما بغيت ولا تمنيت ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا مرت بي جمعة إلا وأنا أعتق فيها نسمة إلا أن لا أجد في تلك الجمعة نسمة فأعتق في الجمعة الأخرى نسمتين " . عثمان بن عفان
وأخبرنا الوالد السعيد - قراءة - قال : أخبرنا علي بن عمر الحربي قال : حدثنا حامد بن بلال البخاري حدثنا محمد بن عبد الله البخاري قال : حدثنا حدثنا يحيى بن النضر غنجار عن عن قيس بن الربيع عمرو بن عبيد الله - يعني أبا إسحاق السبيعي - عن قال : سمعت عاصم بن ضمرة الحسن بن علي رضي الله عنهما يقول على هذا المنبر : " إن عليا لم يسبقه الأولون ولم يدركه الآخرون والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ليبتاع بها خادما والله إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدفع إليه الراية فيقاتل عن يمينه جبريل وعن يساره ميكائيل فما يرجع حتى يفتح عليه " .
وأخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد المعدل قال : أخبرنا أبو طاهر المخلص قال : أخبرنا أبو عبد الله الطوسي قال : أخبرنا الزبير بن بكار الزبيري قال : حدثني رجل عن عبد الرحمن بن موسى بن عبد الله قال : حدثني محمد بن القاسم - مولى بني هاشم - قال : " بلغ رضي الله عنها : أن ناسا يتناولون أبا بكر فبعثت إلى أزفلة منهم فلما حضروا أسدلت أستارها فحمدت الله وأثنت عليه وصلت على نبيها - صلى الله عليه وسلم - وعذلت وقرعت ثم قالت : أبيه وما أبيه ؟ أبي والله لا تعطوه الأيدي ذاك طود منيف وفرع مديد هيهات هيهات كذبت الظنون أنجح والله إذا كذبتم وسبق إذ ونيتم سبق الجواد إذا استولى على الأمد فتى [ ص: 229 ] قريش ناشئا وكهفها كهلا يفك عانيها ويريش مملقها ويرأب شعثها حتى حلته قلوبها ثم استشرى في دينه فما برحت شكيمته في ذات الله عز وجل حتى اتخذ بفنائه مسجدا يحيي فيه ما أمات المبطلون وكان رضي الله عنه غزير الدمعة وقيذ الجوانح شجي النشيج فانقصفت إليه نسوان مكة وولدانها يسخرون منه ويستهزئون به الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون فأكبرت ذلك رجالات قريش فحنت له قسيها وفوقت له سهامها وانتثلوه غرضا فما فلوا له صفاة ولا قصفوا له قناة ومر على سيسائه حتى ضرب الدين بجرانه وألقى بركبتيه وأرست أوتاده ودخل الناس فيه أفواجا ومن كل فرقة أشتاتا وأرسالا اختار الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ما عنده فلما قبض الله نبيه : نصب الشيطان رواقه ومد طنبه ونصب حبائله وأجلب بخيله ورجله فظنت رجال : أن قد تحققت أطماعهم - ولات حين الذي يرجون - وآني ؟ والصديق بين أظهرهم فقام حاسرا مشمرا فجمع حاشيته ورفع قطريه فرد نشر الإسلام على غرته ولم شعثه بطبه وأقام أوده بثقافه فامذقر النفاق بوطأته وانتاش الدين بثقافه فلما أراح الحق على أهله وقرر الرؤوس على كواهلها وحقن الدماء في أهبها أتته منيته فسد ثلمته بنظيره في المرحمة وشقيقه في السيرة والمعدلة ذاك : ابن الخطاب لله أم حفلت له ودرت عليه لقد أوحدت به ففنخ الكفرة وديخها وشرد الشرك شذر مذر وبعج الأرض وبخعها فقاءت أكلها ولفظت خبأها ترأمه ويصدف عنها [ ص: 230 ] وتصدى له ويأباها ثم وزع فيها فيأها وودعها كما صحبها فأروني ما تربئون فأي يومي أبي تنقمون ؟ أيوم إقامته إذ عدل فيكم ؟ أو يوم ظعنه وقد نظر لكم ؟ وأستغفر الله لي ولكم " . عائشة
وقد روي عن أنه قال : " سألني إسحاق بن راهويه عن حديث أحمد بن حنبل - حديث الفضل بن موسى رضي الله عنهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس قال : فحدثته فقال رجل : يا " كان يلحظ في صلاته ولا يلوي عنقه خلف ظهره " أبا يعقوب رواه بخلاف هذا فقال له وكيع اسكت إذا حدثك أحمد بن حنبل : أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به .
قلت أنا : فهذا يمدح نفسه وهذا إسحاق بن راهويه قد جعله أمير المؤمنين يعني في الحديث . أحمد
فأولى لنا أن نذكر والدنا ونذكر طرفا من فضائله ومناقبه وعلومه وورعه فهذه خاصة في مدح الإنسان نفسه إذا احتاج إلى ذلك .
ولولا أن الذين قد جمعوا التواريخ حملتهم عصبيتهم وأهواءهم على ترك فضائله ونشر مناقبه : لما ذكرنا ما ذكرناه فلما رأينا الذين قد رأوه وحفظوا ما سمعوه من فضائله من الشيوخ وشاهدوا بعض الذين ينقرضون والمؤرخون الذين أرخوا قصروا في نشر فضائله لأجل من يهوى هواهم من المخالفين : آثرنا ذكر بعض ما انتهى إلينا من فضائله فليعذرنا من وقف عليه ولا ينسبنا من الذين يتشبعون بما لم يعطوا وليسأل من يثق به من أهل الثقة والمعرفة والخبرة بالقاضي الإمام رضي الله عنه ولا يلتفت إلى قول مخالف ومباين بالبدعة فيعلم أن الذي سطرناه ما استعرنا منه ذلك إذ كان فيه أضعاف ما ذكر من الفضل والعلم والزهد .
فنسأل الله أن يحيينا على الإسلام والسنة وأن يميتنا عليهما ولا يجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا بمنه وكرمه إنه سميع الدعاء . [ ص: 231 ]