الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
21 - ذكر ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه  

قال أصحاب التواريخ: كان ثابت بن قيس خطيب الأنصار، وكان جهير الصوت، شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، استشهد يوم اليمامة، وكان أبو بكر رضي الله عنه أمره على الأنصار مع خالد بن الوليد.

روي عن أنس رضي الله عنه، أن ثابت بن قيس جاء يوم اليمامة، وقد تحنط، ولبس أكفانه، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، فقتل وكانت له درع، فسرقت فرآه رجل فيما يرى النائم، فقال: إن درعي في قدر تحت الكانون في مكان كذا وكذا، [ ص: 303 ] وأوصاني بوصايا، فطلبوا الدرع فوجدوها، وأنفذوا الوصايا.

وعن إسماعيل بن محمد الأنصاري ، أن ثابت بن قيس ، قال: يا رسول الله، لقد خشيت أن أكون هلكت، قال: "ولم؟"، قال: ينهانا الله عن الحمد بما لم نفعل، وأنا رجل أحب الحمد، وينهانا عن الخيلاء، وأنا أحب الخيلاء، وينهانا أن نرفع أصواتنا فوق صوتك، وأنا رجل جهير الصوت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدا، وتموت شهيدا، وتدخل الجنة"  أخبرنا عمر بن أحمد السمسار ، في كتابه، أخبرنا علي بن محمد بن ماشاذة ، في كتابه، حدثنا أبو أحمد العسال ، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيدة ، حدثني أبي، قال: سمعت ابن جابر ، يقول: حدثني عطاء الخراساني ، قال: قدمت المدينة، فلقيت رجلا من الأنصار، وقلت حدثني بحديث ثابت بن قيس بن شماس ، فقال: قم معي فانطلقت معه حتى دفعنا إلى دار، فأجلسني على بابها، ثم دخل، ثم دعاني ليعرفني على امرأة، فقال لي الرجل: هذه بنت ثابت فاسألها عما بدا لك، فقلت: حدثينا عنه رحمك الله، قالت: " لما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة ، فلما لقي أصحاب [ ص: 304 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، حمل عليهم فانكشفوا، فقال ثابت ، وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حفر كل واحد منهما لنفسه حفيرة وحمل عليهم، فثبت، وقاتل حتى قتل، وعلى ثابت يومئذ درع نفيس، فمر به رجل من المسلمين فأخذها، فبينا رجل من المسلمين نائم، فأتاه ثابت بن قيس في هيئته، فقال له: أوصيك بوصية إياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس، وعنده خباء وفرس مستن في طوله، وقد كفئ على درعي برمة، وجعل على البرمة رحلا، فأت خالد بن الوليد بأن يبحث إلى درعي فيأخذها، فإذا قدمت على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له: إن علي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق، وفلان، وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، فأتى الرجل خالد بن الوليد ، فأخبره، فبعث إلى الدرع، فنظر إلى خباء في أقصى الناس، فإذا عنده فرس يستن في طوله، فنظر في الخباء فإذا ليس فيه أحد، فدخلوا فرفعوا الرحل فإذا تحته برمة، ثم أفرغوا البرمة، فإذا الدرع تحتها، فأتوا بها خالد بن الوليد ، فلما قدم المدينة حدث الرجل أبا بكر برؤياه، فأجاز وصيته، ولا أعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت   [ ص: 305 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية