الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال أهل التاريخ: جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، صاحب الهجرتين، يقال له: الطيار، ذو الجناحين، استشهد بمؤتة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يسمى أبا المساكين.  

وروي عن جابر ، رضي الله عنه، قال: لما قدم جعفر من أرض الحبشة، تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، خجل إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم "فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه"  وعن ابن عمر رضي الله عنه، قال: كنت في غزوة مؤتة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب ، فوجدنا في جسده بضعا وسبعين من بين طعنة ورمية   [ ص: 318 ] .

وفي رواية: ووجدنا ذلك فيما قبل من جسده.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان جعفر يحب المساكين، يجلس إليهم، ويحدثهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه أبا المساكين   " وعن جعفر رضي الله عنه، قال: لما قدمت المدينة من عند النجاشي ، تلقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتنقني، ثم قال: "ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح أم بقدوم جعفر"   .

ووافق ذلك فتح خيبر [ ص: 319 ] وعن عبد الله بن جعفر ، رضي الله عنهما، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا، واستعمل عليه زيد بن حارثة ، وقال: "فإن قتل زيد ، أو استشهد، فأميركم جعفر ، وإن قتل جعفر ، أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة"   .

فانطلقوا حتى لقوا العدو، فأخذ الراية زيد ، فقاتل حتى قتل، أو استشهد، ثم أخذ الراية جعفر ، فقاتل حتى قتل، أو استشهد، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة ، فقاتل حتى قتل، أو استشهد، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ، ففتح الله عليه، فأتى خبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "إن إخوانكم لقوا العدو، وإن زيدا أخذ الراية، فقاتل حتى قتل، أو استشهد، ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب ، فقاتل حتى قتل، أو استشهد، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل، أو استشهد، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، خالد بن الوليد ، ففتح الله عليه"، ثم أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم، ثم أتاهم، فقال: "لا تبكوا على أخي جعفر بعد اليوم، ادعوا لي [ ص: 320 ] بني أخي"، فجئ بنا كأنا أفرخ، فقال: "ادعوا لي الحلاق"، فجاء الحلاق فحلق رءوسنا، فقال: "أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب ، وأما عون ، فشبيه خلقي وخلقي"، ثم أخذ بيدي، فأشالها، فقال: "اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه"، فجاءت أمنا فذكرت يتمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العيلة تخافين عليهم؟ وأنا وليهم في الدنيا والآخرة"  
[ ص: 321 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية