الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
85 - ذكر عبد الله بن سلام رضي الله عنه

روي عن مجاهد: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله قال: هو عبد الله بن سلام.

روي عن قيس بن عباد ، قال: كنت في مسجد المدينة جالسا فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين تجوز فيهما ثم خرج فتبعته، فقلت: إنك لما دخلت قالوا: هذا رجل من أهل الجنة، قال: سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأخبرك عن ذلك، رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه،  رأيت كأني في روضة فذكر سعتها وخضرتها، وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة، فقيل لي: ارق، فقلت: لا أستطيع، فجمعت ثيابي من خلفي [ ص: 527 ] فرقيت حتى حبرت في أعلاه فأخذت بالعروة، فقيل لي: استمسك فاستيقظت فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أما الروضة: فالإسلام، وأما العمود: فعمود الإسلام، وأما العروة: فالعروة الوثقى، فأنت على الإسلام حتى تموت ".

والرجل عبد الله بن سلام
وفي رواية خرشة بن الحر ، قال: قدمت المدينة فدخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فإذا مشيخة فقعدت إليهم، فجاء شيخ يتوكأ على عصاه، فقال رجل منهم: هذا رجل من أهل الجنة، فقام إلى سارية فصلى خلفها ركعتين، فقمت إليه، فقلت له: إن رجلا من هؤلاء، قال: هذا رجل من أهل الجنة، قال: الجنة لله يجعل فيها من يشاء، وإني رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت كأن رجلا أتاني، فانطلق بي في منهج عظيم فعرضت لي طريق، فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل زلق، فأخذ بيدي فزجل بي، يعني فرمي بي، فإذا أنا على ذروته فلم أتقار، ولم أتمالك فإذا عمود من حديد في أعلاه حلقة فأخذ بيدي فزجل بي فأخذ بالعروة، فقيل لي: استمسكت؟ قلت: نعم، قال: فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المنهج العظيم: فالمحشر، وأما الطريق التي عرضت عن شمالك: فطريق أهل النار، ولست من [ ص: 528 ] أهلها، وأما الطريق التي عرضت عن يمينك فطريق أهل الجنة، وأما الجبل الزلق: فمنزل الشهداء، وأما العروة التي استمسكت بها: فعروة الإسلام، استمسكت بها حتى تموت إن شاء الله ".

فإني أرجو أن أكون من أهل الجنة، والرجل هو عبد الله بن سلام
وعن عبد الله بن سلام ، رضي الله عنه، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل إليه الناس، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته يتكلم به أن قال: "يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام"  وعن عبد الله بن حنظلة ، قال: مر بنا عبد الله بن سلام في السوق، وعلى رأسه حزمة من حطب، فقلنا: أليس قد أغناك الله عن هذا؟ قال: بلى، ولكني أدفع به الكبر، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، لم يرح [ ص: 529 ] رائحة الجنة"  وعن سعد ، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بقصعة فأكل منها، ففضلت منه فضلة، فقال: "يجئ رجل من أهل الجنة فيأكل هذه الفضلة" .

قال سعد رضي الله عنه: وقد تركت أخي عميرا يتوضأ، فقلت: هو عمير ، فجاء عبد الله بن سلام فأكله
 
وفي حديث أنس ، رضي الله عنه، قال: لما أسلم عبد الله بن سلام رضي الله عنه، قال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهتة، فأخبئني قبل أن يعلموا بإسلامي ثم سلهم، أي رجل أنا فيهم، فجاء رجال من اليهود، سألهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟" ، قالوا: خيرنا، وابن خيرنا وسيدنا، وابن سيدنا، وأعلمنا، وابن أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم إن أسلم" .

قالوا: أعاذه الله من ذلك، قال: فخرج [ ص: 530 ] عليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فقالوا: شرنا، وابن شرنا، ونحو ذلك، فقال عبد الله بن سلام: يا رسول الله، هذا الذي كنت أخاف
 
قال أهل التاريخ: عبد الله بن سلام من بني إسرائيل حليف لبني عوف بن الخزرج، توفي بالمدينة سنة ثلاث وأربعين.

التالي السابق


الخدمات العلمية