فصل
أخبرنا علي بن أحمد بن محمد البغدادي ، في كتابه، حدثنا عبد الملك بن محمد بن بشران ، أخبرنا ، حدثنا أبو بكر الآجري أبو سعيد الحسين بن علي الجصاص ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين ، أخبرني أبي، حدثنا ، عن أبيه، عن جده عبد الله بن زيد بن أسلم أسلم ، قال: " بينا أنا مع رضي الله عنه، وهو يعس عمر بن الخطاب المدينة إذ أعيي فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: قومي إلى ذلك اللبن فامزقيه بالماء، فقالت: يا أمتاه: أوما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عزمته؟ قالت: إنه أمر مناديا فنادى: فقالت لها: يا ابنتاه قومي إلى اللبن فامزقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك ألا يشاب اللبن بالماء ولا منادي عمر ، فقالت الصبية: والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، عمر يسمع كل ذلك، فقال: يا وعمر أسلم ، علم الباب واعرف الموضع، ثم مضى في عسسه فلما أصبح قال: يا أسلم ، امض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها، وهل لهم من بعل، فأتيت الموضع فإذا الجارية أيم لا بعل لها وإذا تيك أمها، وإذا ليس لهم رجل، فأتيت فأخبرته، فدعا عمر بن الخطاب ولده فجمعهم فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه؟ ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية، فقال عمر عبد الله: لي زوجة، وقال عبد الرحمن: لي زوجة، وقال عاصم: يا أبتاه، لا زوجة لي فزوجني، فبعث إلى الجارية فزوجها من [ ص: 853 ] عاصم ، فولدت لعاصم بنتا، وولدت الابنة بنتا، وولدت الابنة رحمه الله " قال: وأخبرنا عمر بن عبد العزيز ، حدثنا أبو بكر الآجري أبو بكر بن محمد بن هلال الشطوي إملاء، حدثنا محمد بن عمرو الباهلي ، حدثنا ، حدثنا الحكم بن سنان ، قال رياح بن عبيدة يعجبه أن يتأدم بالعسل فطلب من أهله يوما عسلا، فلم يكن عندهم، عمر بن عبد العزيز فأتوه بعد ذلك بعسل، فأكل منه فأعجبه فقال لأهله: من أين لكم هذا؟ قالت امرأته بعثت مولاي بدينارين على بغل البريد فاشتراه لي. "كان
فقال: أقسمت عليك لما أتيتني به فأتته بعكة فيها عسل فباعها بثمن يزيد، ورد عليها رأس مالها، وألقى بقيته في بيت مال المسلمين، وقال: عمر ". قال: وأخبرنا أنضيت دواب المسلمين في شهوة ، حدثنا أبو بكر الآجري ، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد الحسن بن الحسن المروزي ، أخبرنا ، أخبرنا عبد الله بن المبارك أبو الصباح ، حدثنا سهل بن صدقة، مولى عمر بن عبد العزيز ، قال "حدثني بعض خاصة أنه عمر بن عبد العزيز فقيل: إن حين أفضيت إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاء عاليا فسئل عن البكاء؟ خير [ ص: 854 ] جواريه فقال: إنه قد نزل بي أمر قد شغلني عنكن، فمن أحب أن أعتقه أعتقته، ومن أراد أن أمسكه أمسكته، لم يكن مني إليها شيء فبكين إياسا منه ". عمر بن عبد العزيز
قال: وأخبرنا ، حدثنا أبو بكر الآجري محمد بن مخلد العطار ، حدثني سهل بن عيسى المروزي ، حدثني القاسم بن محمد بن الحارث المروزي ، حدثنا سهل بن يحيى بن محمد المروزي ، أخبرني أبي، عن ، قال " لما دفن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، عمر بن عبد العزيز سليمان بن عبد الملك ، وخرج من قبره سمع للأرض هزة أو رجة، فقال: ما هذه؟ فقيل: هذه مواكب الخلافة قربت إليك لتركبها فقال: مالي ولها نحوها عني قربوا إلي بغلتي، فقربت إليه بغلته، فجاءه صاحب الشرطة يسير بين يديه بالحربة، فقال: تنح عني، مالي ولك إنما أنا رجل من المسلمين، فسار وسار معه الناس حتى دخل المسجد فصعد المنبر واجتمع الناس إليه فقال: يا أيها الناس يا أمير المؤمنين ورضيناك فل أمرنا باليمن والبركة، فلما رأى الأصوات قد هدأت ورضي الناس به جميعا، حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصيكم بتقوى الله فإن في تقوى الله خلفا لكل شيء، [ ص: 855 ] وليس في شيء من تقوى الله خلف، إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني إليه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم، فصاح الناس صيحة واحدة، قد اخترناك واعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه، وأصلحوا سرائركم يصلح الله الكريم علانيتكم، وإن من لا يذكر من آبائه فيما بينه وبين وأكثروا ذكر الموت، وأحسنوا الاستعداد للموت قبل أن ينزل بكم، فإنه هاذم اللذات، آدم عليه السلام أبا حيا لمعرق له من الموت، وإني والله لا أعطي أحدا باطلا، ولا أمنع أحدا حقا، ثم رفع صوته حتى أسمع الناس، فقال: يا أيها الناس، من أطاع الله فقد وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم، ثم نزل ودخل وأمر بالستور فهتكت وبالثياب التي تبسط للخلفاء فحملت وأمر ببيعها وإدخال أثمانها في بيت مال المسلمين، ثم ذهب يتبوأ مقيلا، فأتاه ابنه وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها ولا في نبيها صلى الله عليه وسلم ولا في كتابها، إنما اختلفوا في الدنيا والدرهم، عبد الملك بن عمر ، فقال: يا أمير المؤمنين، ماذا تريد أن تصنع؟ قال: أي بني، أقيل.
قال: تقيل ولا ترد المظالم؟ فقال: يا بني، قد سهرت البارحة في أمر عمل سليمان ، فإذا صليت الظهر رددت المظالم، قال: يا أمير المؤمنين، من لك أن تعيش إلى الظهر، قال: ادن مني أي بني، فدنا منه فالتزمه فقبل بين عينيه وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني، فخرج ولم يقيل، وأمر مناديه أن ينادي ألا [ ص: 856 ] من كانت له مظلمة فليرفعها، فقام إليه رجل ذمي من أهل حمص أبيض الرأس واللحية فقال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله، قال: وما ذاك؟ قال: العباس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني أرضا، والعباس جالس، فقال له: يا عباس ما تقول؟ قال: أقطعنيها أمير المؤمنين ، وكتب لي بها سجلا، فقال الوليد بن عبد الملك ما تقول يا ذمي؟ قال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله، فقال عمر: عمر: ، الوليد بن عبد الملك قم فاردد عليه يا كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب عباس ضيعته، فرد عليه، فجعل لا يدعى شيء مما كان في يديه وفي أيدي أهل بيته من المظالم إلا ردها مظلمة مظلمة، فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك فكتب إليه: إنك أزريت على من كان قبلك من الخلفاء وعبت عليهم، وسرت بغير سيرتهم بغضا لهم وشينا لمن بعدهم من أولادهم، قطعت ما أمر الله به أن يوصل، إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثهم فأدخلتها بيت المال جورا وعدوانا، فاتق الله يا ابن عبد العزيز ، وراقبه إن شططت، لم تطمئن على منبرك، خصصت أولي قرابتك بالظلم والجور، فوالذي خص محمدا صلى الله عليه وسلم بما خصه به، لقد ازددت من الله بعدا في ولايتك هذه، إن زعمت أنها بلاء، أقصر عن بعض مسيلك، واعلم أنك بعين جبار في قبضته، ولن تترك على هذا، اللهم سل سليمان بن عبد الملك عما صنع [ ص: 857 ] بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فلما قرأ كتابه كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين إلى عمر عمر بن الوليد ، السلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين أما بعد، فقد بلغني كتابك وسأجيبك بنحو منه، أما أول شأنك ابن الوليد كما زعم، فأمك بناتة ابنة السكون، كانت تتطوف بسوق حمص وتدخل في حوانيتها، ثم الله أعلم اشتراها دينار بن دينار من فيء المسلمين، فأهداها لأبيك فحملت بك، فبئس المحمول وبئس المولود، ثم نشأت فكنت جبارا عنيدا، إني من الظالمين إن حرمتك وأهل بيتك فيء الله الذي فيه حق القرابة والمساكين والأرامل، وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين تحكم بينهم برأيك، ولم يكن له في ذلك نية إلا حب الوالد لولده فويل لك وويل لأبيك، ما أكثر خصماءكم يوم القيامة، وكيف ينجو أبوك من خصمائه، على خمس العرب، يسفك الدماء الحرام، ويأخذ المال الحرام، الحجاج بن يوسف وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك ، أعرابيا جافيا على مصر، أذن له في المعازف واللهو والشرب، وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من جعل وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل لعالية البربرية، سهما في خمس العرب فرويدا يا ابن بناتة، فلو التقت حلقتا البطان، ورد الفيء إلى أهله [ ص: 858 ] لتفرغت لك ولأهل بيتك، فوضعتهم على المحجر البيضاء، فطالما تركتم الحق، وأخذتم من بنيات الطريق، وما وراء هذا من الفضل ما أرجو أن أكون رأيته بيع رقبتك وقسم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل، فإن لكل فيك حقا والسلام علينا، ولا ينال سلام الله الظالمين، فلما بلغت الخوارج سيرة وما رد من المظالم اجتمعوا فقالوا: ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل ". عمر
والله أعلم.