458 - ذكر محمد بن يوسف البناء رضي الله عنه
قال أبو منصور معمر: بلغني أنه كان يختلف كل ليلة إلى الجبل بعد فراغه من العمل، وكان بناء يكسب في كل يوم ثلاثة دراهم وثلثا، فيأخذ من ذلك لنفقته دانقا ويتصدق بالباقي، ويختم مع العمل كل يوم [ ص: 1181 ] ختمة، فإذا صلى العتمة في مسجده خرج إلى الجبل إلى قريب الصبح ثم يرجع إلى العمل، وكان يقول في الجبل: يارب إما أن تهب لي معرفتك أو تأمر الجبل أن ينطبق علي فإني لا أريد الحياة بلا معرفتك.
قال: وبلغني أنه كتب عن ست مائة شيخ، ثم غلب عليه الانفراد والخلوة إلى أن خرج إلى مكة بشرط التصوف، وقطع البادية على التجريد.
أخبرنا ، أخبرنا محمد بن عبد الواحد أبو منصور ، قال: سمعت أبا علي أحمد بن محمد بن شاذان ، يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن فاذة ، يقول: سمعت محمد بن يوسف ، يقول: كنت بمكة فكنت أدعو الله وأقول: يارب إما أن تدخل معرفتك في قلبي أو تقبض روحي، فلا حاجة لي في الحياة بلا معرفتك فرأيت في النوم قائلا يقول: إن أردت هذا فصم شهرا ولا تكلم فيه أحدا من الناس ثم ادخل قبة زمزم وسل الحاجة، قال: ففعلت وختمت فيه كل يوم ختمة، فلما انقضى الشهر على ذلك دخلت قبة زمزم ورفعت يدي ودعوت الله عز وجل وسألت الحاجة فسمعت هاتفا من البئر يقول: يا اختر من الأمرين واحدا، أيما أحب: العلم مع الغنى والدنيا، أم المعرفة مع القلب والفقر؟ فقلت: المعرفة مع القلب والفقر، فسمعت من البئر: قد أعطيت قد أعطيت [ ص: 1182 ] قال: وأخبرنا ابن يوسف أبو منصور معمر ، أخبرني أبو عبد الله بن إبراهيم ، أن عبد الملك ، قال: سمعت بعض أصحاب محمد بن يوسف ، يقول: قال أبو عبد الله محمد بن يوسف: دخلت مكة فرأيت المشايخ جلوسا بباب إبراهيم فقعدت قريبا منهم فقرأ رجل: بسم الله الرحمن الرحيم فوقع على قلبي وصحت فقال المشايخ للقارئ: أمسك، ثم قالوا لي: يا شاب مالك صحت، وبعد لم يقرأ آية؟ فقلت: وباسمه قامت الأشياء، وكفى باسم الله سماعا، قال باسمه قامت السماوات والأرضون، محمد بن يوسف : فقام المشايخ كلهم وأجلسوني وأكرموني
قال: وقال الشيخ أبو منصور: بلغني أن أبا القسم الجنيد ، كان يقول بفضله، وكتب في رسالته إلى سل شيخك علي بن سهل: أبا عبد الله محمد بن يوسف ما الغالب عليك؟ فسأله ، فقال: اكتب إليه: علي بن سهل والله غالب على أمره .
قال الشيخ أبو منصور: وبلغني أنه قل من سمع كلامه إلا أخذ بقلبه، وكان يقول: إذا لم تعرفه فكيف تحبه؟ [ ص: 1183 ]