الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في مقتل عثمان رضي الله عنه  

أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين الطريثيثي ، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن ، أخبرنا محمد بن عثمان ، أخبرنا الحسين بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن محمد بن أبي عون ، حدثنا إسحاق بن سليمان، أبو جعفر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنه أن عثمان رضي الله عنه أصبح يحدث الناس، فقال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم الليلة في المنام، فقال: "يا عثمان أفطر عندنا"، فأصبح صائما وقتل من يومه [ ص: 172 ] ، وعن كثير بن الصلت ، قال: قال عثمان: يا كثير بن الصلت ، ما أرى القوم إلا قاتلي، قلت: بل ينصرك الله عليهم يا أمير المؤمنين، قال: يا كثير بن الصلت ، ما أرى القوم إلا قاتلي، قال: قلت: أخبرت في ذلك بشيء؟ أو قيل لك في ذلك بشيء؟ قال: لا، ولكني سهرت ليلتي الماضية، فلما كان عند الفجر أغفيت إغفاءة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر ، وعمر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحقنا لا تحبسنا، فنحن ننتظرك" فقتل من يومه رضي الله عنه.

وعن الحسن ، قال: أدركت عثمان رضي الله عنه، وأنا يومئذ قد راهقت الحلم فسمعته يخطب، وشهدته يقول: أيها الناس: ما تنقمون علي؟ قال: وما من يوم إلا وهم يقسمون فيه خيرا، فقال: يا معشر المسلمين اغدوا على أرزاقكم فيغدون فيأخذونها وافرة، يا معشر المسلمين اغدوا على كسوتكم، فيجاء بالحلل، فتقسم بينهم [ ص: 173 ] .

قال الحسن: والله سمع أذناي: يا معشر المسلمين اغدوا على السمن والعسل.

قال الحسن: والعدو منفي والعطيات دارة، أي: جارية، وذات البين حسن، والخير كثير، ما على الأرض مؤمن يخاف مؤمنا، من لقي من أي الأجناد كان أخاه ومودته وألفته ونصرته أن يسل عليه سيفه.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن عليا أتى عثمان وهو محصور فأرسل إليه: إني قد جئت لأنصرك، فأرسل إليه بالسلام.

وقال: لا حاجة لي فأخذ علي عمامته من رأسه فألقاها في الدار التي فيها عثمان وهو يقول: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب .

وعن أبي جعفر الأنصاري ، قال: لما دخل على عثمان يوم الدار خرجت فملأت فروجي فمررت مجتازا في المسجد، فإذا رجل قاعد في ظلة النساء عليه عمامة سوداء وحوله نحو من عشرة، فإذا هو علي.

فقال: ما فعل الرجل، قال: قلت: قتل، قال: تبا لهم [ ص: 174 ] آخر الدهر.

وعن أبي حصين أن عليا رضي الله عنه، قال: لو أعلم أن بني أمية يذهب ما في أنفسها لحلفت لهم خمسين يمينا مرددة بين الركن والمقام، أني لم أقتل عثمان ، ولم أمالئ على قتله.  

وعن أبي قلابة ، قال: بلغني أن عثمان رضي الله عنه يحكم في قتلته يوم القيامة.

وعن عدي بن حاتم ، قال سمعت صوتا يوم قتل عثمان رضي الله عنه، يقول: أبشر يا ابن عفان بغفران ورضوان.

قال: فالتفت فلم أر أحدا.

وعن حذيفة رضي الله عنه، قال لما قتل عثمان: والله والله إنه لفي الجنة، والله والله والله إن قتلته لفي النار.

وعن عمرة بنت قيس، قالت: نظرت إلى مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه وعلى فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم [ ص: 175 ] قطرة دم.  

وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد ، قال: لما قدم المصريون على عثمان رضي الله عنه جعلنا نطلع من خلال الحجرة فنسمع ما يقولون: قال فسمعت عثمان يقول: ويحكم لا تزكوا أنفسكم.

قالوا: أنت أول من حمى الحمى وقد أنزل الله عز وجل: قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا . . . الآية، وحميت الحمى.

قال: ما أنا بأول من حمى الحمى، حمى عمر بن الخطاب ، فلما وليت زادت الصدقة فزدت في الحمى قدر ما زادت نعم الصدقة، فأستغفر الله وأتوب إليه.

قالوا: فأنت أول من أغلق باب الهجرة، قال: إني كنت أرى أنه من قاتل على هذا المال أحق ممن لم يقاتل عليه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه فمن شاء فليهاجر، ومن شاء فليجلس، قال: فما سألوه عن شيء إلا خرج منه فانطلق القوم وهم راضون حتى أتوا ذا [ ص: 176 ] الحليفة، فرأوا راكبا، فاسترابوا به، فأخذوه، ففتشوه، فوجدوا الكتاب الذي زعم الناس أنه كتبه إلى عبد الله بن أبي السرح عامله بمصر أن اضرب أعناقهم، قال: فرجعوا فدخلوا عليه فوقعوا به، فقال: يا قوم، والله ما كتبت ولا أمليت، قالوا: هذا غلامك، قال: ما أملك غلامي، قالوا: فهذه راحلتك، قال: ما أملك راحلتي، قالوا: فهذا كاتبك.

قال: ما أملك كاتبي، يا قوم: إني لأسمع حلف رجل قد مكر به وقد مكر بكم، قال: فقال له رجل من القوم: أتنفخ سحرك يا مالك، فوثبوا إليه فقتلوه.

وعن يزيد بن أبي حبيب ، قال: بلغني أن الركب الذين ساروا إلى عثمان رضي الله عنه عامتهم جنوا   [ ص: 177 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية