الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

روي عن عمرو بن جاوان ، قال: قلت له: لم كان اعتزال الأحنف؟ قال: قال الأحنف: انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة فبينما نحن في منزلنا نضع رحالنا إذ جاءنا آت، فقال: قد فزع الناس إلى المسجد، فانطلقت أنا وصاحبي فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد فتخللتهم حتى قمت عليهم، فإذا علي بن أبي طالب ، والزبير ، وطلحة ، وسعد ، رضي الله عنهم وهم قعود، فلم يكن بأسرع من أن جاء عثمان رضي الله عنه يمشي إلى المسجد، وعليه ملية صفراء، قد رفعها على رأسه، فقلت لصاحبي: كما أنت حتى أنظر ما جاء به، فلما دنا منهم، قالوا: هذا ابن عفان ، هذا ابن عفان ، فقال: أها هنا علي؟ قالوا: نعم.

قال: أها هنا طلحة؟ قالوا: نعم.

قال: أها هنا الزبير؟ قالوا: نعم.

قال: أها هنا سعد؟ قالوا: نعم.

قال: نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يبتاع مربد بني فلان، غفر الله له"  فابتعته، قال: أحسب أنه قال بعشرين وبخمسة وعشرين ألفا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: قد ابتعته، قال: "اجعله في مسجدنا وأجره لك؟" قالوا: نعم، قال: نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "من يبتاع بئر رومة غفر الله له"  فابتعتها بكذا وكذا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت إني قد ابتعت بئر رومة، قال: "اجعلها سقاية للمسلمين، وأجرها لك؟" قالوا: نعم، قال: نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 178 ] نظر في وجوه القوم يوم جيش العسرة، فقال: "من يجهز هؤلاء غفر الله له" فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد.


وعن محمد بن جبير بن مطعم ، قال: أرسلني عثمان إلى علي رضي الله عنهما فقال: قل له: إن ابن عمك مقتول وإنك مسلوب  وعن أبي ليلى الكندي ، قال: أشرف علينا عثمان رضي الله عنه يوم الدار، فقال: يا أيها الناس لا تقتلوني فإنكم إن قتلتموني كنتم كهاتين وشبك بين أصابعه.  

وعن امرأة عثمان رضي الله عنه، قالت: استيقظ عثمان رضي الله عنه، فقال: ما أرى القوم إلا سيقتلوني، إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر ، وعمر ، فقالوا: "إنك تفطر عندنا الليلة" .

وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه، قال: أتيت عثمان رضي [ ص: 179 ] الله عنه لأسلم عليه وهو محصور، فدخلت عليه، فقال: مرحبا يا أخي، ما يسرني أنك كنت وراك ، في هذه الليلة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الخوخة، فقال لي: "يا عثمان حصروك؟" قلت: نعم.

قال: "أعطشوك؟" قلت: نعم، قال: فدلى لي دلوا فشربت منه حتى رويت فإني لأجد برد الماء بين ثديي وبين كتفي.

قال: "إن شئت أفطرت عندنا، وإن شئت نصرت عليهم"، فاخترت أن أفطر عنده.

فقتل ذلك اليوم.

التالي السابق


الخدمات العلمية