الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        قوله جل وعز: قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون   .

        759 - حدثنا زكريا ، قال: حدثنا عمرو ، قال: أخبرنا زياد ، عن محمد بن إسحاق ، قال: "مر شاس بن قيس ، وكان شيخا قد عسا عظيم [ ص: 312 ] الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، على نفر من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم، وجماعتهم، وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شابا معه من يهود، فقال: أعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم يوم بعاث، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان يوم بعاث يوم اقتتلت فيه الأوس والخزرج ، فكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ، ففعل فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا، وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب: أوس بن قيظي ، أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس ، وجبار بن صخر أخو بني سلمة من الخزرج ، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جذعة، وغضب الفريقان جميعا، وقالوا: قد فعلنا، السلاح، السلاح موعدكم الظاهرة - والظاهرة: الحرة- فخرجوا إليها، وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على كلمة قالها التي كانوا عليها في الجاهلية.

        [ ص: 313 ] وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال: يا معشر المسلمين: الله، الله! بدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم إلى ما كنتم عليه كفارا؟، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم لهم، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضا من الأوس والخزرج ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس ، وأنزل الله عز وجل في شأن شاس بن قيس ، وما صنع: قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون إلى قوله: وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون "
        .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية